الندل يوْعـِد ويوْفـِى، والكريم يوْعـِد ويـِخـْلف
واقعية الناس لا مثالية المكاتب
هذا المثل يدعم فكرة أنه ليس دائما: “يحيا الثبات على المبدأ”، بل إن الثبات على المبدأ مع تغير الظروف قد يكون دليلا على الجمود والغباء، وبالتالى فإن الالتزام بالوفاء بالوعد هو هو، (هذه الفضيلة الجيدة) قد لا تكون دائما صفة حسنة إذا خدَمـَتْ جمودًا أو تصلـُّباً، فهذا النذل هنا يفى بالوعد لأنه جامد متعصب لا يلين أو يتكيف مع اختلاف الأحوال ما بين وقت الوعد وما بين أوان الوفاء، حتى لو أضرَّ هذا الوفاء بالهدف الأطيب بعد تغيـُّر الظروف.
أما الــكريم فعنده من الشـــجاعة والوعى ما يســمحان له بإعادة النظر، فهو لو أخلف وعــده، فإنه قد يفعل ذلك لأنه شجاع، ولأنه ربما اكتشــف حلاّ أفضــل، فالمســألة ليســت فى أن يقـــال وفيا، ولكن المســألة أن يكون شجاعا كريما واعيا بتغير الظروف دائما أبدا، هادفا للخير فى كل الأحوال: وقت الوعد وحين يحين الوفاء.
ثم إننى بتأمل أهدأ، ومن عمق آخر، حضرنى احتمال آخر وهو أن كلمة “يوعد” هنا تعنى “يتوعد”، وبالتالى يصبح المعنى المراد هو إشارة إلى أن النذل قلبه أســود، إذا تـَوَعـَّد نـَفـَّذ وعيــده بقســــوة وإصرار، فلا مجــال عنـــده للســماح ولا رحمــة فى قلبـــه (الأسود)، أما الكريم فهو قد يـَتـَوَعـَّد ولكنه قادر على الســماح والعفو عند المقدرة، ومع أن هذا هو المعنى الأصح فان الغيظ لا يفارق الســامع، وكلمة يـِـوْفـِى ترن فى أذنه لأن الإنســان لا يـَـفـِى بالوعيد، وانما يـُنـَـفـِّـذُه.
النذالة جزء لا يتجزأ من الحياة، وهى مرفوضة ابتداء، إلا أن الوعى بها، ومعاملتها بالمثل أحيانا، هما نوعان من اليقظة الواقية والواقعية، على أن ذلك لا ينبغى أبدا أن يكون تبريرا ولا ديدنا، فلنتشجع أكثر لنرى كيف يفل الحديد الحديد، فثمَّ أمثال أخرى تعلـِّمـُنـَا كيف نحدد مصالحنا من النذل فى حدود جزئية، فلا نقبله كله، ولا ننسحب أمامه فيخلو له الجو، ذلك أن كـَوْن النذل نذلا لا يمنع مــعاملته حتى بالنسب: ولكن بكلٍّ الحذر، بل إنه يمكن أن تكون هذه المعاملة سبيلا إلى الحد من نذالته إذا لقى من هو أكثر منه يقظة ومناورة،