fbpx

ذكاء النبات

قد توقفت طويلا بألم مناسب، واحترام واجب، عند تعبير “ذكاء النبات“،

ذلك أنه عندنا – فى الطب النفسى– حين يتدهور المريض الذهانى (الفصامى السلبى خاصة) تدهورا شديـدا، نقول – للأسف – إنه وصل إلى “حالة نباتية“، ومع ندرة هذه الحالات هذه الأيام كنت أجد صعوبة فى شرح هذا المصطلح لتلاميذى، وأحيانا اخجل حين أصف إنسانا أنه اصبح كالنبات، وكنت أيضا أقع فى حيرة مترددة تشعرنى أننى على خطأ، حين اشرح لهم، ولنفسى، أن الذى يحافظ على الحياة، على استمرار الحياة، أعنى الحياة الجسدية والنفسية معا، هو وجود “معنى” أو “غاية” ما، لا تبدو سهلة التحديد عادة فى الأسوياء، فما بالك فى عمق الوجود الفصامى المزمن، وكان عندى صديق جميل ظل صديقى عشرات السنين حتى أصبحنا هو وأنا كهلين، رحمه الله، كان قد انسحب من كل شىء – قبل أن يستأذن– حتى من الكلام، وفشلت معه كل محاولات العلاج، وظل صامتا لسنوات طويلة قبل أن يرحل إلى خالقه، وكنت أسأل عنه كل فترة، ويخبروننى أنه ما زال كما هو، وأقابله فأجده فعلا كما هو: يذهب للمطعم فى المواعيد، ويجلس تحت شجرته المفضلة، وينظر إلى من حوله بين الحين والحين نظرات ذكية (هكذا نصفها جميعا)، ويعتنى بدرجة متوسطة بنظافته الشخصية، وينام ليلا، وكنت أصفه لطلبتى  بأنه اصبح فى هذه الحالة التى نسميها “نباتية”، وحين يسألونى عن ماذا يعنى التعبير، أشير إلى احتمال أنه أصبح مثل الشجرة التى يحبها ويجلس فى ظلها معظم الوقت، وكنت أذهب أحيانا أتأمل هذه الشجرة، سواء كان جالسا تحتها أم لا، وأسأل نفسى: هل هذه الشجرة لها هدف فى الحياة حتى تبقى حية، وأرد على نفسى أن: نعم، لها، و..و لَهُ. وأتوقف عند ذلك ولا أحاول أن أتمادى فى الإجابة، وإن كان يخطر لى أن يكون هدفها أن تظلل صديقها هذا، حتى أننى خفت أن تذبل وتموت بعد رحيل صديقى هذا وقد تجاوز السبعين.

تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ عن ذكاء النبات فى هذا الكتاب عن “التاريخ الطبيعى للذكاء”،

  • ما بعد المعلومات : التاريخ الطبيعى للذكاء، تأليف توم ستونير، ترجمة مصطفى ابراهيم فهمى، الناشر المجلس الأعلى للثقافة 2000

 

رأي واحد على “ذكاء النبات”

اترك تعليقاً

إغلاق