واحد اثنين سرجى مرجى، إنت حكيم ولا تمرجى
يا مين يجيب لى طبيب، يحـــل لى إشـــكال
مش بس يــــكتب دوا، ويقـــولهم إيش كـال
يا ما قلبى شايل ومش قادر أقول إيش كان
وهنا تتجسد وظيفة الطبيب كـ حلال المشاكل أيضا وليس كاتب روشتة فقط، وقديما قالت الأرجوزة “واحد اثنين سرجى مرجى، إنت حكيم ولا تمرجى؟” وقد سبق أن ميزتُ فى قراءتى لهذه الأرجوز بين الحكيم والتومرجى بأن الحكيم (وليس الطبيب أو الدكتور فقط) هو راعى الصـحة بكل أبعـادها: الصـحة الجسـمية.. والصـحة الاقتصـادية (مارا بالصحة النفسية والصحة الاجتماعية): إذ يأتى الرد:
أنا حكيم بتاع الصحة
العيـــــان أديلــه حقنــــة
والمســـكين أديلـه لقمــة
وهنا يشار أيضا مرة ثانية إلى فرط الاعتمادية على الطبيب، اعتمادية تذكرنا باحتياجنا المفرط إلى الكبير لدرجة أننا ننتظر أن يكون له دور حتى فى علاج الفقر والجوع بالمعنى المادى المباشر، ولا نستطيع أن نرفض أمل شعب يعانى كل هذه المعاناة ولا يثق فيه أحد ممن هم فوق، أن نرفض أمله المـُلـِحّ فى أن يأتى الحل دائما من فوق، بل إنه يتمادى فى تلك الاعتمادية حتى يصبح الكبير طبيبا كان أم حاكما هو مصدر كل شئ، وعليه أن يقوم بكل العمل.
ويؤكد هذا الموال أيضا على مفهوم آخر للطبيب غير حل المشاكل، وهو مفهوم الاستماع لما يحمل القلب من هموم لا يجد لها متنفثا ومستمعا متعاطفا، حتى ولو لم يحل – فعلا – شيئا، هذا المفهوم الذى شاع حول الطب النفسى خاصة حتى أصبح معنى العلاج النفسى عند أغلب الناس هو الفضفضة والحكى، وتمادِى قـَصـْر دور الطب النفسى على هذا المستوى دون غيره يعتبر خطأ شديدا، ذلك لأن الحكى والشكوى والتداعى ليست هى الحل الأوحد أو الأول، وإنما هى بداية لها ما بعدها، والتوقف عند البدايات – كما يحدث عادة، وكما يتوقع كثير من الأهل والمرضى – لا يحل شيئا، ولا يفيد شيئا، بل لعل التمادى فى البحث عن السبب، مع تزايد الاعتماد على الطبيب حلاَّل العقد، يأتى بعكس النتيجة إذ قد يـُثـَـبـِّـتُ الضعف وقد يبرر المرض، وحذق الطبيب (والمعالج) النفسى يأتى من مهارته فى ضبط الجرعة بين الشكوى والفضفضة، وبين البناء والاستقلال باستمرار.