عن الفلسفة والعلاج الجمعى
يتصور كثير من الناس كل تصور عن ماهية الفلسفة إلا حقيقتها، وقضية تعريف الفلسفة قضية طويلة، هل هى الحكمة أم حب الحكمة، وهل هى دراسة المعارف أم أصل المعارف، وهل هى علم الوجود أم علم الموجودات أم ليست علمياً أصلا، وهل هى دراسة القيم الجزئية أم دراسة النسق الفكرى المتكامل أم هى النشاط العقلى ذاته، وهل هى معرفة الواقع أم ما هو ليس واقع لكنه واقع . . . إلى آخر هذه الحيرة المخفية، ولكنى خرجت من هذه الدوامة بإيمانى بثلاث حقائق أو آراء.
أولاً: أن حب الحكمة غير ادعاء الحكمة، وأن الفلسفة غير التفلسف، وأن كل ما يمكن أن نتعلمه ونعلمة هو التفلسف وليست الفلسفة، وبالتالى فالذى يصعب علينا هو التفلسف والذى تخيفنا معايشته هو الفلسفة.
ثانيا: أن قول أحد الوضعين المنطقيين مؤخراً “.. إن الجمع بين العلم والفلسفة أصبح ضرورة لا غنى عنها، وأن الفصل الذى تم بينهما فى غضون القرن التاسع عشر كان له أسوأ النتائج على العلم والفلسفة على السواء” هو قول أصدق ما يكون على علمنا هذا.
ثالثاً: أن معرفة الفلسفة هى ممارسة أساساً ثم تنظير لاحق، وأنه بغير احتمال شجاعة هذه الممارسة فإننا سنمارس عملية عكسية هى وأد كل محاولة فلسفية متواضعة لحساب الشعور بالنقص والخوف (ولا أنسى أستاذنا محمد كامل حسين وقد وقع فى قبضة عملاقنا العقاد ينعته بالمجبراتى لأنه تجرأ وكتب رؤيته المتواضعة فى “وحدة المعرفة”).
وأخيراً:
– ومن واقع مهنتى لابد أن أوضح رؤيتى من ربط الفلسفة (لا التفلسف) بهذا العلاج، فأقدم مفهوماً خطر ببالى كطفل حامل للماء المقدس لأهله.. ليس إلا:
“الفلسفة هى المحاولة المستمرة المتجددة للحياة المغامرة فى اتجاه معين، فى لحظة ما . . مع قبول تغير هذا الاتجاه دائما مع استمرار المحاولة . .، ويصحب ذلك عادة درجة من التنظير المعرفى مع احتمال مخاطر الخداع اللغوى عند التعبير لنقل هذه المحاولة إلى الآخرين . .، كما يصحبه دائماً تأليف مستمر بين متناقضات الوجود وتجميع مبسط لجزئيات المعلومات (أو العلوم) فى مبادئ أولية بسيطة، تتفق مع الاتجاه الآنى، وقد تتغير بتغيره”.
إذن، فالفلسفة مرادفة عندى للحياة النابضة للإنسان إذ هو متناه يسعى إلى اللا متناه مستعملا فى ذلك مكاسبه التطورية وخاصة الرمز والتجريد والإبداع فى رحلة وجودية صيرورية معرفية مغامرة.