المدمن مزدوج التشخيص
من كتاب: "بعض ما يجرى داخل المدمن" ولمحات من ثقافتنا الشعبية
المدمن مزدوج التشخيص
(سواء ظهر المرض مع/أم اختفى بـ “الإدمان”)
هناك من الاتجاهات العلمية ما لا يعتبر الإدمان مرضا فى ذاته، وهذا ليس صحيحا تماما، لأنه إذا كان العامل الأكثر حسما فى تحديد المرض من عدمه هو الإعاقة، فالإدمان من أكبر أسباب الإعاقة، وحلاَّ لهذا الإشكال فلا بد من توضيح أن ما نعنيه بكلمة مريض هنا هو أن يكون وراء الإدمان مرض آخر، غير اضطراب الشخصية الذى يصاحب الإدمان عادة.
ووجود المرض النفسى والعقلى وراء الإدمان أو مع الإدمان قد يظهر بشكل مباشر، وقد يـُستنتج بشكل غير مباشر من التاريخ العائلي، ومن التاريخ السابق لنفس المدمن، ومن التبادل بين نوبات المرض ونوبات الإدمان (أى أن المرض قد يظهر مرة صريحا بأعراضه الخاصة، ومرة أخرى لا يظهر صريحا بل يحل محله التعاطى).
وأهم الأمراض الجسيمة الكامنة وراء الإدمان، أو المصاحبة له هى أمراض اضطرابات الوجدان (الاكتئاب والهوس خاصة)، وأمراض التفسخ والتناثر (الفصام) وهيجة الشكوك (البارانويا).
أما الأمراض الأقل شدة مثل القلق والوسواس والمخاوف..إلخ فهى قد تكون الأصل فى التورط فى الإدمان بعد أن سهــَّلـَهُ، ومهــَّـد له: الإفراط في التداوى بالمهدئات الخفيفة، كما أنها قد تكون سببا فى تعاطى بعض الحبوب للتخلص من المعاناة، وأخيرا قد تنتج هى ذاتها عن ورطة التعاطي، ومضاعفات التعطل بسببه.
الفائدة والتطبيق:
ألمحنا سابقا إلى أن بعض أنواع التعاطى والإدمان هى بمثابة “العلاج الذاتي“، بمعنى أن المريض الذى بدأ يعانى من أعراض مرضه الأصلى، قد يتعاطى هذه المادة المخدرة أو المنشطة لتخفف من معاناته (عادة لا يسميه هو مرضا)، ثم يجد أن الأعراض قد خفــَّـت فعلا، فيتمادى فى ذلك ذاتيا، وكأنه نجح فى علاج نفسه بنفسه.
إلا أن كثيرا من الأبحاث الحديثة (المنشورة) قد أوصت برفض هذه الطريقة، وأثبتت خطأها، وعلى الرغم من ذلك فإن الممارسة الإكلينيكية لم تستبعد ذلك نهائيا، بل إنه يمكن تفسير التحفظ على هذه النظرية نفسها (نظرية التداوى الذاتى) بالخوف من أن يكون هذا الزعم مبررا لأن يستمر المدمن فى إدمانه متصورا بذلك أنه يعالج نفسه.