الشفاء والدواء (الحلقة الثانية)
"ليس بالدواء وحده يشفى المريض"
الشفاء والدواء (الحلقة الثانية)
هناك انتشار “عشوائى” لاستعمال الادوية وأعتقد – شخصيا – أن ثمة مغريات معينة للأطباء، أو أن ثمة مسئولية على الاطباء بشأن استعمال الأدوية فيما يتعلق بالتصريف التسويقى؟
معك كل الحق: فشركات الدواء فى الولايات المتحدة الأمريكية-مثلا-، هى ثالث مركز قوى سياسى (لوبى) (بعد شركات السلاح واليهود) وبالتالى فهى مؤسسات عملاقة لا تؤثر فحسب على وصفات “روشتات” الأطباء، وإنما تشكل البحث العلمى ومناهجه، وبالتالى فهى تؤثر على نتائجه، ثم تؤثر على تفسير المرض النفسى باعتباره خلل فى هذه الكيمياء أو تلك، بما يحتاج إلى كيمياء بديلة.
والمصيبة أن هذا كله ليس تزويرا ولا يحزنون، إنه حق يراد به باطل، لأن كل النتائج هى معلومات جزئية لا تثبت شيئا أو تنفيه إلا من خلال رؤيته مع بقية الحقائق، ومن خلال الممارسة العملية مع المرضى (والأصحاء)
-بالطبع لا ننفى مطلقا الحاجة للدواء، ولكن كيف يكون الترشيد وفقا للحالة؟!
أظن أن هذا الأمر يحتاج إلى مستويين:
الأول: المستوى الإدارى والتنظيمى لتداول هذه العقاقير (بمعنى إحكام القانون والضبط والربط)، وهذا يجرى بإحكام شديد وخاصة فى بلد مثل المملكة العربية السعودية
أما المستوى الثانى: وهو الأصعب، فهو الذى يتعلق بتغيير مفهوم الأطباء ليس فقط عن موقع الدواء بين العلاجات الأخرى، وإنما عن مفهوم المرض النفسى والصحة النفسية أساسا، فالمرض النفسى ليس هو القلق والمعاناة بما يتطلب تخديرا كيميائيا لإدخال الطمأنينة وإزالة الكآبة، إن تغيير هذا المفهوم جذريا سيجعل الطبيب قادرا على استيعاب حركة التاريخ، والإسهام فى دفع عجلته بإعادة التوازن، وليس بوقف الحركة
- شئ من التبسيط والتطبيق لو سمحت.
إليك تشبيها بسيطا لعله ينفع القارئ لما أريد:
تصور أن عندك سيولة فى مرور السيارات فى شوارع مدينة ما، سيولة منضبطة بإشارات وتقنيات وتباديل وتوافيق وتنظيم تكاملى شامل، (وهذا ما يقابل توازن الصحة) ثم تصور أنه قد حدث نشاز فى هذه السيولة والسهولة نتيجة توقف عربة أو تصادم عربتين أو سير فى عكس الاتجاه إلخ (وهذا ما يقابل المرض النفسى).
– فماذا يكون الحل لإداة انسياب المرور والتكامل الأشمل؟
هل نوقف كل حركة المرور، فيسود الهدوء تماما حيث يتعرض الناس لأى مضاعفات حوادث طالما أن الحركة توقفت، وعلى قادة السيارات أن يناموافى سياراتهم أو يتركونها حيث هى ؟ إن نتيجة ذلك هو صمت أقرب إلى الموت وهذا ما يحدثه موقف التهدئة المطلق باستعمال العقاقير المهدئة ” العظيمة” طول الوقت طول العمر أم أن الأولى هو حمل العربة المعطلة بعيدا عن سيال المرور، وإيقاف أو تنحية قائد مخمور أو مجنون، ثم تسهيل الباقى حتى ينصلح حال من أوقف انتقائيا، أو عطل مؤقتا ليعود متناغما مع السياق العام؟
(وهذا ما يقابل استعمال العقاقير انتقائيا لتهدئة مستوى بذاته، وكذا ما يتطلب أن يكون الاستعمال لفترات مؤقتة، رغم احتمال تكرارها. 6) قد أستشف من عبارتكم “ليس بالدواء وحده يشفى المريض” إنطلاقة إلى القرن القادم كنظرة مستقبلية… فهل يتضمن ذلك اللجوء للأعشاب، أو الليزر مثلا؟!
لا أبدا، لا أقصد ذلك إطلاقا،
- ما هو رأيكم فى ذلك وما هو حكمكم الخاص على مثل هذه التجارب؟ وهل هى محل البحوث العلمية الطبية التطبيقية؟!
وفى حالة ارجاع هذا الاقبال الى اسباب نفسية تتفاقم فما الذى ننتظره على صحة أجيال الغد من وجهة نظركم.؟
صحيح أن الأعشاب تذكرنا بالطبيعة، وأن أشعة الليزر تذكرنا بتقدم التكنولوجيا، لكن المسألة ليست مسألة أن نحل أداة محل أداة، ولكن هى فى أنه ينبغى علينا أن نستعمل الأداة لا أن نعتمد عليها اعتمادا مطلقا، الدواء أداة، والأعشاب أداة، والليزر أداة، وعلى الطبيب والمريض أن يستعملوا ما شاؤوا من كل هذا، ولكن فى إطار سياق كامل يعلن الهدف، وهو الحياة الإيجابية والصحة التى هى التوازن الخلاق.
المشكلة ليست فى مسألة أن هذا علم وذاك ليس كذلك، المشكلة هى أين تذهب نتائج الاكتشافات العلمية، ومن الذى يستعملها فى أى غرض وأى سياق وتاريخا انتهى اكتشاف النظرية النسبية فتفتيت الذرة إلى كارثة بشرية، وحديثا قد تنتهى الهندسة الوراثية رغم عظمة معطياتها إلى مصائب تهدد الجنس البشرى بأكمله ونفس القياس يسرى على الأدوية النفسية، فرغم روعة أسس اكتشاف الأدوية النفسية فإن استعمالها الخاطئ (ليس فقط العشوائى) انتهى إلى مصائب منذرة وهذا ما نحذر منه.
عن السلوك السلبى
إن انتشار السلوك السلبى فى المجتمع فى الازياد، وهو ينتقل من جيل إلى جيل بفعل التقليد من جهة بما يشمل التأثر بالافلام ووسائل الإعلام غير المنضبطة مثلما تبثه القنوات التلفزيونية الفضائية.