fbpx

الأسرة ليست (فقط) مشروعا استثماريا

الأسرة ليست (فقط) مشروعا استثماريا (وضمناً: ليست مفخرة للتنافس)     

ترى هل إضافة (فقط) هنا معناه أننا قَبِلْنَا أن تكون الاسرة مشروعا استثماريا، ولو نسبيبا، ولو بشروط معينة؟

الاعتراف بالواقع هو بداية تعلن احترام الجارى،

وأيضا هو الذى يتيح الفرصة لتغييره إذا كان لابد من ذلك (وعادة هو لابد من ذلك وإلا فأين وكيف النمو)،

كثير من الأسر تبدأ كمشروع استثمارى، سواء كان ذلك برضا كامل من الأطراف المعنية، أو بضغط مباشر او غير مباشر من المؤسسة الأكبر التى تحتوى الطرفين، أو باتفاق مباشر بين الطرفين، يحدث هذا إذا اتفقت المصالح (بعيدا عن إنشاء وحدة أسرية)، ومن ذلك: الحرص على عدم تفكك الميراث، أو الأمل فى زيادة التعاون الاستثمارى، (زيادة رأس المال)، أو تسهيلا للسفر أو الهجرة المؤقتة أو الدائمة، كل هذه صفقات استثمارية بشكل أو بآخر، وهى ليست مرفوضة تماما، شريطة أن تكون مجرد بداية لكيان ما يمكن أن يترعرع بداخله أو من خلاله ما يترعرع.

وبقدوم الأولاد يزيد عدد الشركاء فى هذه المؤسسة – دون إذن منهم – ويبدأ الخطر والضرر حين يُستعمل هؤلاء المساهمون الجدد، دون أن يدروا، فى استمرار أو زيادة استثمار هذه المؤسسة، فينقلب دورهم، إلى أداة تستعمل – أيضا شعوريا أو لا شعوريا – لتنمية هذه المؤسسة وتتراجع حقوقهم بشرا من حقهم أن “يوجدوا” أولاً وأن يعترف بهم، “ليكونوا” قبل (أو بدون) استعمالهم.

فى كثير من الأحيان – كثير جدا من الأحيان – كما بلغنى من الممارسة الإكلينيكية خاصة، يبدأ تكوين المؤسسة الاستثمارية مع قدوم الأولاد وليس من البداية يحدث هذا فى الأسر البرجوازية الصغيرة خاصة، حين يمثَّل الابن أو البنت مشروعا قادراً على تعويض الأب عادة (وإلى درجة أقل الأم) ما فاته، أو قادراً على تصحيح حظ الوالد القليل، الذى كان يأمل فى تحقيق طموح أعلى لم يستطع أن يحققه. فى هذه الحال، ومنذ البداية، يبالغ الوالد فى التركيز على قيمة التفوق، والتفوق جدا، والتفوق طول الوقت، منذ بداية البداية، وليصبح الاعتراف بالابن – أو البنت (أو حتى رؤيته فالسماح له بالوجود) مرتبطا تماما بهذا التفوق دون غيره.

وهكذا تنقلب مسيرة الحياة كلها إلى سلسلة من المسارات التنافسية المتلاحقة،

ومن علامات هذه الوظيقة الاغترابية الاستثمارية ما يجرى من مقارنات بين الأسر البرجوازية خاصة، والطبقة المتوسطة عامة، ما يجرى من مقارنات بين الولد وابن عمته المتفوق عنه، وأيضا بنت جارهم، ولامانع من المعايرة بتفوق ابن البواب دونه … الخ.

يصل إلى الابن أو البنت هذا الاستعمال بوضوح، وأنه ليس سوى كتابا يريدونه مصقولا جدا، ليس إلا اداة أو حلية يقومون بتلميعها طول الوقت، وبالتالى فعليه أن يقوم بتحقيق ذلك لهم، فهو يذاكر لصالحهم، قبل صالحه، أو ضد صالحه الأعمق.

يظهر الاحتجاج على هذا الموقف فى كثير من الأحيان فى صورة مظاهر التوقف الدارسى “لطالب كان متفوقاً، طول عمره، فماذا جرى”؟

الذى جرى ويجرى هو أنه حين اكتشف هذا الطالب أن الكتاب قد حل محل وجوده كلية، قرر أن يمزق الكتاب، لكنه حين  فعل وتوقف عن الدراسة لم يجد نفسه وراء الأوراق الممزقة، فهو لم “يكن” ابدا إلا مشروعا استثماريا.

اترك تعليقاً

إغلاق