“زى الطواحين إن بطلت تلحسها الكلاب”
“زى الطواحين إن بطلت تلحسها الكلاب”
ثمَّ ظاهرة تحافظ على الحياة، مهما اختلفت التفاصيل، وهى “أن تظل ساقيتنا تدور بلا توقف”، سواء كان ذلك اختيارا، أم ورطة، أم قهرا، وقليل منا من يتوقف مختارا لينظر فيما يفعل يوميا طول العمر، مهما طال، يتوقف لينظر فى ساقيته التى تدور، أى ماء ترفع، ثم إلى أى مصب تدفع، ومهما بلغ الواحد منا من العمر، فإنه يظل أو يتمنى أن يظل، دائرا فى ساقيته حتى يقضى، بغير علم مسبق.
من منطلق الإيقاع الحيوى، فإن الدورات لا تتوقف أبدأ حتى إذا توقف دفع الماء حين تدور الدورات فى حلقات مغلقة، فالمقصود هنا هو الفعل اليومى المستمر استيعابا لهذه الدورات وغيرها.
وتنشأ المأساة حين يتحتم التوقف العادى لأسباب خارجة عن الإرادة الواعية، أو عن الإرادة الآمـِلـَة، مثل الإحالة إلى المعاش، أو العجز لأى سبب من الأسباب، فإذا استبعدنا هذه العوامل الخارجية فما هو سر الرعب من التوقف، ومن ثم النظر فى كشف الحساب؟ لعله الرعب من إعادة النظر وما يترتب عليه، أو الرعب من احتمال اكتشاف ضرورة التغير أو تعديل المسار أو حتى عدم احتمال التقاط الانفاس؟
لكن الاستمرار المطلق فى العمل مثلا بمجرد التكرار يبدو أيضا نوعا من “قهر العمل”، الذى كثيرا ما يصل إلى ما يشبه أعراض الوسواس القهرى، وأحيانا يسمى “إدمان العمل”، لدرجة أن مثل هؤلاء المدمنين للعمل تظهر عليهم “أعراض الانسحاب” فى أيام الأجازات مما يسمى “اكتئاب يوم الأحد”، أو مما يفهم ضمنا من القول الشائع عندنا “يوم الجمعة فيه ساعة نحس”.
وكثير ممن يشكون من كثرة العمل، وضغطه وإلحاحه، يفاجأون بالرعب والدهشة والرفض إذا أتيحت لهم فرصة تخلصهم من هذه الشكاوى بأجازة طويلة نسبيا، أو بوجود بديل (نائب أو وكيل) يمكنه أن يقوم بالعمل بدلا منهم.