fbpx

كيف تُعدى الهستيريا؟

هل المرض النفسى معدى

تثائب عمرو إذ تثاءب خالد      بعدوى، فما أعدتنى الثؤباء

إذاً، فالشخص العادى قد يكون مهيأ للتقليد والإيحاء، سواء كان هذا الذى يوحى به: حركة أم سلوكاً سوياً أم مرضياً، ومن المتعارف عليه كذلك أن الخلق السيئ يعدى كما أن الطبع الحميد يعدى، وقد شبهوا عدوى الأخلاق بالعدوى المرضية حرفياً.

واحذر مصاحبة اللئيم فإنها     تعدى كما يعدى السليم الأجرب

فإذا كان التثاؤب معدياً، والطبع اللئيم يعدى، فالمرض النفسى قد يعدى سواء بسواء، وهو معد فعلا ولكن.. للشخص المهيأ فحسب.

ولنضرب أمثلة لهذه العدوى بادئين بمرض الإيحاء الشهير؟ الهستيريا: والهستيريا لا تعنى الجنون، ولا تعنى الهوس، أو “الوش” كما يحب الناس أن يطلقوا هذا اللفظ على أكثر من معنى، ولكنها تعنى مرضاً نفسياً (وليس عقلياً) تصدر فيه أعراض جسمية (كالنوبات أو فقد النطق) أو عقلية (كفقد الذاكرة) دون إرادة المريض بعيداً عن دائرة وعيه هرباً من مواجهة موقف قاس، وهذا المرض رغم بساطته وسهولة علاجه فى أغلب الأحيان إلا أنه حاز شهرة تاريخية وشعبية لا نظير لها، فمعظم القصص وروايات السينما التى تحكى إزدواج الشخصية وفقدان الذاكرة والشلل المؤقت مبنية على فكرة هذا المرض.. بغير مبرر يتناسب مع مركزه بين الأمراض.

كثيراً ما نشاهد نوبات الإغماء الهستيرى لا تصيب أخت المريضة فحسب ولكنها قد تصيب جارتها أو صديقتها أو خادمتها على حد سواء.. ويتم هذا من خلال المعاشرة التى أوحت إلى الشخصية المعنية – دون وعى أو قصد – بهذا النوع من الهرب المرضى، لا سيما بعد أن لاحظت ما توليه الأسرة والمحيطين بالمريضة الأولى من الرعاية والاهتمام أثناء النوبة، وما تحققه هذه النوبة من حل سهل أمام صعاب الحياة.

وفى أوقات الذعر العام قد يصاب أكثر من شخص بنفس أعراض الهستيريا، كأن يفقد أثنان أو ثلاثة أو أكثر القدرة على الكلام، وتبدأ الظاهرة عادة بأن واحدا يفقد النطق ثم يعدى الآخرين، وقد روى أن قرية بأكملها أصابها البكم الهستيرى، وأخرى أصيب أهلها بالضحك الهستيرى.

وفى خلال حرب يونيو الأخيرة شاهدنا عدوى الهستيريا بين المحاربين فى ساحة القتال وأكثر فى قاعات المستشفى، فما أن يتوقف ذراع أحدهم من الشللل الهستيرى ويراه الأشخاص المهيئين وقد أعفاه مرضه من مواجهة الموقف الصعب، حتى ينتشر هذا العارض، وانتشاره لا يعنى الإدعاء – وإن كان هذا محتمل – ولكن يعنى ظهور العرض دون قصد المريض وبعيداً عن دائرة وعيه، وفى قاعات المستشفى شاهدنا مريضاً يعاوده البكم فور تقرير خروجه من المستشفى خوفاً من مواجهة المجتمع الأوسع أو العودة إلى ميدان القتال، وسرعان ما تنتشر موجة البكم بين الآخرين، إذا ما أجل خروجه لأن معنى ذلك أن العرض حقق غايته.

وتتم كل هذه الإصابات بواسطة الإيحاء الجماعى الذى يحرك الجماهير سوياً فى اتجاه بذاته دون ترو أو اقتناع. وإنما بمجرد الاستهواء والتقليد.

ومن هنا كانت ضرورة التدخل السريع وعزل المريض فوراً.

ولا تقتصر العدوى على مرض الهستيريا، وإنما اخترناه حيث له أعراض واضحة المعالم، ومريضه عاده سهل الاستهواء ذو شخصية من الصنف الذى يتصف بالرغبة فى التقليد وسهولة الاقتناع إلى غير ذلك.

ولكن العدوى تلاحظ فى سائر أنواع العصاب، ولكن بدرجة أقل فالقلق لا شك يعدى، فإن معاشر المريض القلق الذى يراه دائماً (موهوما) من مجهول، مصراً على أنه خائف دون سب، غير مستقر على حال، هذا المعاشر قد يستنكر المرض وأعراضه بادئ الأمر، ولكنه لن يلبث أن يحس بذات الشعور إن كان مهيئاً له، وخاصة إذا استمرت عشرته للمريض مدة طويلة.

اترك تعليقاً

إغلاق