هل ينتج الإدمان عن مرض نفسى؟؟؟
نعم.
إن مايسمى بالاكتئاب كثيرا ما يدفع صاحبه إلى الهرب من ألم المواجهة، وفرط الرؤية، فيلجأ إلى هذه المغيبات للوعى، بهذا القصد العلاجى الذاتى أولا، ثم سرعان ما يقع فريسة الهرب المتكرر حتى لو زال الاكتئاب.
كذلك الحال- إلى درجة أقل – فيما يسمى القلق الناجم عن فرط الوعى،
أما فى حالات الذهان الأخرى فإن مفهوم العلاج الكيميائى المنشتر حديثا، مهما قيل عن عقاقيره أنها ليست مخدرة، فأغلبها لحد كذلك بدرجة أو بأخرى، بمعنى أنها مغيرات صناعية للوعى. وإن كان الفرق بين هذه العقاقير (الطبية!!!) وبين المخدرات هى أن المخدرات، تغيم أو تعتم الوعى، أما العقاقير الأخرى فإنها تضيق أو تقلص الوعى، فالأمر يكاد يكون واحداً فى حالة الإدمان، فبدلا من أن يكون هم الطب هو توجيه الوعى، أو تثوير الوعى، أو السعى إلى تكامل مستويات الوعى مع الواقع والإبداع، فإن هم معظم الأطباء انحسر فى التهميد والتسكين والإطفاء.
وأخيرا فإن ما يسمى باضطراب الشخصية هو الأساس المرضى الخطير للإدمان فى معظم الحالات. علما بأن اضطراب الشخصية فى كثير من الأحوال لا يعتبر مرضا مثل الاكتئاب أو القلق بقدر ما يعتبر سمة، أو نمطا سلوكيا شاملا وممتدا، مما يجعلنا أقل حماسا فى اعتباره مرضا وراء الإدمان.
وهل يعتبر الإدمان مرضا فى ذاته؟ أو نتيجة لمرض آخر؟
لا أريد أن أقول أن هذه مسألة ثانوية، فسواء كان مرضا أو نتيجة لمرض، فنحن لا نريد أن نصور للناس وللمدمن وللأهل أن كلمة مرض يمكن أن تكون تبريرا لما حدث ويحدث، المريض -حتى المجنون، فيما عدا الحالات العضوية- هو مشارك بشكل ما فى حدوث مرضه.
ذلك أننى أنتمى لمدرسة تعتبر أغلب المرض النفسى، بل والعقلى، نوعا من الاختيار العميق، فصاحبه – بشكل ما – مسئول عن إحداثه فى نهاية النهاية، ليس معنى ذلك أنه يتصنع، ولكنه نوع من الانتقاء الوجودى الأعمى تحت ظروف أتاحته وسمحت به وهيأت له، وبالتالى فإن ما بنى على اختيار فهو اختيار، فالمريض بمجرد أن تصله رسالة العلاج يصبح مسئولا عن مصيره مع الطبيب، والمدمن – من باب أولى – هو أيضا كذلك حتى لو كان إدمانه ناتجا عن مرض آخر، كل الحكاية أن المسئولية ستتوزع على مرحلتين.