الحاجة إلى: عـلْمَنةِ الخرافة والتفرقة بين الخرافة والغيب
بدايةً ينبغى النظر فى أناة وصبر إلى ضرورة التفرقة بين الخرافة، والغيب
فالخرافة هى كل معتقد أو سلوك، لا يستند إلى منهج موضوعى مرن قابل للنقد والتطوير’.
أما الغيب فهو المجهول الذى لا نشهده حاضرا، سواء كانت الشهادة بالحواس أم بالمعرفة المعتمدة بأى وسيلة من وسائل التوصيل.
وفى حين أننا نرفض الخرافة، فإننا نؤمن بالغيب، فالخرافة تشويه أو إلغاء لأدوات المعرفة وخاصة الأداة المسماة العقل، أما الايمان بالغيب: فهو فتح لآفاق المعرفة وهو ما يسمى المعرفة بلا نهاية.
والآن. لنا أن نتأمل قليلا ونحن نرصد موقفنا من الخرافة قبل أن نستدرج إلى معركة ليست مضمونة النتائج لصالح العلم، أو ما نتصور أنه علما.
ولنتساءل بعضنا البعض:
1 – أين، وعند من تنتشر الخرافة
2 – ما هى صور الخرافة الأكثر شيوعا؟
3 – متى تنتشر الخرافة؟
4 – لماذا تنتشر الخرافة؟
ولابد أن نجيب على هذه الأسئلة ولو بالتقريب، ولو بطرح فروض قابلة للتطبيق، قبل أن نشهر فى وجه ما نعتقد أنه خرافة: سيف العلم، نحكم به – من فوق – على كل من نرى أنه بعد عن المنهج العلمى الأشهر الذى تدين به فئة منا حتى التقديس، ذلك أن هذا الموقف الحكمى لم ولن يقلل من حجم الخرافة ومدى الأضرار التى تلحقنا من التسليم لها والتخريب بها.
فى الدول المتخلفة تشيع للخرافة صورا أكثر شيوعا التى يمكن أن تسمى ‘الخرافة البدائية’ وفى الدول المتقدمة يشيع نوع آخر من الخرافة – وربنا يجعل كلامنا خفيفا عليهم – مثل كثير مما نقرأ مما يشاع عن بعض يسمى التاريخ (الذى يقال إنه إشاعه منظمة أو أساطير ممنهجة بمنهج محكم، لا يحمل ما يكفى من مصداقية )
بل إن الخرافة البدائية لها أشكال معاصرة فى الدول المتقدمة، ومنها الاسترشاد بالتنجيم فى الصحف اليومية والأسبوعية، وقراءة الغيب المستقبلى فى الفنجان أو الكف، يقوم بذلك غالبية من الناس دون استثناء الفنانين ورؤساء الدول وزوجاتهم، وخاصة فى الولايات التى هى متحدة وأمريكية وهى أخر علمنة وتكنولوجية), وكل ذلك يصبح خرافة إذا تخطى وظيفة التسلية إلى يقين يحدد السلوك العلمى ويوجه اتخاذ القرار.
وتزدهر الخرافة فى أوقات الضغوط (الأزمات)، ومع اختفاء الحوار، وضعف النقد، وغلبة حكم الفرد، والتسليم لجمود النصوص، وقفل أبواب الاجتهاد والإبداع والمراجعة.
وقد تنتشر الخرافه حين تتحقق الظروف التى تستدعيها، والتى عددناها فى كل الإجابات السابقة أى أنها تنشر لكى تغذى احتياجات البشر إذا لم تستطيع أدوات أخرى أضمن وأصدق (من بينها العلم) أن تفى باحتياجاتها،
وللخرافة خطوط عريضة منها:
أولا: أن نحترم شيوع الخرافة بين عامة الناس دون أن نستسلم لها، فنبحث عن احتياجاتهم التى فشلنا فى إروائها بمحدودية مانقدمه لهم من مناهج ومعارف بل من فن وتشكيل، بدلا من دمغهم وتحقيرهم ومعايرتهم (عمال على بطال).
ثانيا: أن نستدرج جمعية المنتفعين بهذا الجوع الذى لم يروه علم محدود، جوع الناس إلى مناهج أخري، نستدرجهم لنعريهم أمام المخدوعين، ليس بمقارنة الحجة بالحجة فهذه إضاعة للوقت لاختلاف اللغة وإختلاف المنهج، وإنما بتحديات عملية , تعرى خبث ألاعيبهم.
ثالثا: بعد أن نحسن الانصات للغة العامة الجوعى إلى ملء الوعى بأى وسيلة، ونجتهد فى فهم ما دعاهم إلى ذلك بعد ذلك، علينا أن نحاول ترجمة ممارساتهم إلى أقرب لغة علمية.
رابعا: أن نتوقف عن تقديس منهج بذاته دون غيره من المناهج العلمية الأخرى بل من المناهج المعرفيه الأخري، وألا نتعالى على النظر بعين علمية ناقدة ولما يجرى فى مناهجهم – فلهم مناهج تفسر انتشارهم كما تفسر بعض نتائجهم، وكذا علم البارسيكولوجى والطبيعية الكمية، هى علوم تجاوزت كل حدود المنهج التجريبى المغلق دون أن تهمل عطاءه أو ترفض إسهامه.