لعبة القط والفأر ؟
يوضح د. محمد الرخاوى أن ما نقصده بلعبة القط والفأر هو: تلك المحاولات الدؤوبة من جانب المدمن من مسئولية المأزق الذي يعانيه, سواء بإلقائها علي الآخرين من المحيطين, أو بالهرب التأجيلي من مواجهتهم الصريحة, ويتضح ذلك بشكل خاص علي مستوي ‘التفاصيل’ التي يتقن معظم المدمنين إغراق أنفسهم وإغراق الآخرين فيها, وهم يحاولون بذلك استدراج أن يكون الرد عليها استجابة من الطرف الآخر بالغرق في هذه التفاصيل سواء كانت هذه الاستجابة إنكارا أو تصديقا, وبناء عليه تبدأ المطاردات والتحقيقات والهجوم والدفاع من كل الأطراف, فماذا يعني كل هذا وكيف نستفيد من إعادة النظر فيه
إن هذه اللعبة تتخذ شكلين أساسين هما ‘كذب المدمن’ و ‘لومه للآخرين’. ولعله من المفيد أن نتأمل كلمة ‘لعبة’, وأن نسترجع بعض مشاهد أفلام القط والفأر الكرتونية الشهيرة ‘توم وجيري’, وهما تعبيران نستخدمهما لما هو أكثر من التشبيه, لعل في هذا التأمل ما يساهم في فهم الأهل للمزالق التي يجرون (أو يجرجرون) إليها دون أن يدركوا إنها لعبة قط وفأر علي أكثر من مستوي:
1 ـ فهي لعبة لأنها كثيرا ما تتحول إلي مباراة, حتي ولو لم يسع الطرفان إلي ذلك, فهناك مباراة في ‘من سيتحمل المسئولية؟’ و ‘من ـ بالتالي ـ سيدفع الثمن’؟ وهناك أيضا مباريات أخري نتائجها معلقة علي نتائج التحقيقات البوليسية الذي تمت الجرجرة إليها. وهذا الأمر جاد وخطير, لأن المباراة محكومة دائما بمنطق الهازم والمهزوم, وهو منطق يفسد العلاقة حين يجعلها علاقة تنافس وخصومة في كثير من الأحيان, لا علاقة تعاون.
2 ـ وهي لعبة قط وفأر لأنها مطاردة وملاحقة وإزعاج وكثير من الهزائم من جانب القط, واستفزازات وألاعيب وفرارات, وبعض خفة الدم وكثير من الانتصارات (الكارثية بالطبع) من جانب الفأر. ومن الواضح بالطبع أن الوقوع في مثل هذا لا ينطوي في حالتنا إلا علي قصر نظر وخوف من تحمل المسئوليات الأكبر إذا ما تجاوزنا عن ألاعيب الكر والفر وركزنا علي ما هو أهم وأدعي للنظر فيه.
3 ـ وهي لعبة توم وجيري لأن تكرارها لانهائي ومحصور دائما في إطار ألاعيب قصيرة المدي ومسطحة الهدف والأثر, فليس المهم وقد أصبحت المشكلة بالحجم الذي لا نعتقد أن القارئ غافل عنه, ليس المهم أن نركز علي إن كان المدمن قد كذب اليوم أم لا, إن كان قد تعاطي مرة أخري أم لا. قد يتعجب القارئ من قولنا هذا, ولكننا لا نعني به أبدا إغفال مثل هذه الأمور وكأنها لم تكن, ولكننا فقط نعني أن المشكلة أكبر من التحقيق فيما حدث اليوم وما لم يحدث, وما يقف وراءها من عوامل مستمرة تجعل الكرة تعاد مرة بعد مرة, وهو ما ينبغي أن يكون موضوع الاهتمام, أما ما حدث اليوم فلن يغير التأكد منه الكثير, فهو ليس إلا نتيجة تعلن أن الصعوبة ما زالت قائمة, وهو ما يمكن أن يستدل عليه بالفعل دون مثل هذه المباريات أو الملاحقات البوليسية التي, وإن ناسبت أقسام الشرطة وقاعات المحاكم, لا ينبغي أبدا أن تكون هي مصدر المعلومات بين أفراد أسرة واحدة.
4 ـ تؤكد أفلام توم وجيري علي ثبات شخصية كل من القط والفأر علي الرغم من محاولات الخداع القصيرة والسطحية التي يقوم بها كل منهما في بعض الأحيان, وهو أمر يبدو واضحا كخلفية تدفع للوقوع مرة وراء أخري في لعبة القط والفأر مع المدمنين. فهناك الحكم المستقر علي شخصية المدمن بأنه منحرف منهار أخلاقيا وكذاب دائما, وهناك علي الجانب الآخر الحكم علي الأب (أو من هو في موقع المسئولية في لحظة بذاتها) بأنه شكاك متجسس متهم حاكم مخطئ.