حوار الصم (الطرشان)
هذا تعبير مشهور، وقد بدأنا به لأنه أصبح متواترا جدا، وخاصة فى الإعلام والسياسة!! وأيضا لأنه كثيرا ما يكون خفيا على من يمارسه حين يستعمل ما يشبه المعنى، بلا معنى.
وهو حوار لا يؤدى وظيفة التواصل بقدر كاف لافتقاره –فى عمق معين- للاتفاق على معنى مشترك، وبالتالى فهو لا يؤدى وظيفة “الرسالة والعائد” وهو يدل على تباعد الناس، وعجز اللغة عن أداء وظيفتها الأساسية،
ولكن لماذا يستمر مثل هذا الحوار بدرجةٍ ما فى حياتنا المعاصرة إذا كان بكل هذا الخواء؟ لابد وأنه يؤدى دورا ما… وأن له وظيفة ما (!!).
هذا النوع من الحوار، برغم أنه يعلن مصيبة عصرية، حتى نكاد ننكره ونتبرأ منه، إلا أنه يعلن فى نفس الوقت أن الانسان المعاصر غير قادر على تحمل مسئولية الكلمة بما أصبحت تحويه من نبض وتحد، وأن هذه الأصوات البديلة عن الكلام ذى المعنى، هى – بشكل ما – حماية من المعنى الموضوعى المترابط جدا الذى قد يهدد بالامتداد بالوعى إلى ما بعد حدود الدفاعات القائمة، وبالتالى فقد يكون “حوار الصم” دفاعا ضد “الخوف من المعنى”(المطلق).
فإذا قام العلاج النفسى (وبعض أشكال التحليل النفسى تقوم بهذا الدور دون أن تدرى) بتأكيد حوار الصم هذا (الذى كنا نهجوه حالا) حتى ليعود المريض يمارسه بقدر ما، فهذا فى ذاته تقوية للدفاع اللازم لاستمرار الحياة العادية ولو على مستوى متواضع – مرحليا – ربما استعدادا لجولة نموّ قادمة أقوى وأنجح.
هنا يتبين الخلاف بين الرفض النظرى (الفنى غالبا) لحوار الصم، والتقبل العملى والعلاجى لبعض أشكاله بدرجات مختلفة، بما يلائم بالضرورة الحياة الواقعية التى تلزم للتكيف والاستمرار.
نقطة أخرى لصالح حوار الصم هو أنه يحافظ على استمرار التواصل الظاهرى، الأمر الذى يحمل احتمال تواصل غير لفظى مواز، مع درجة من الأمان بين المتواصلين لأن أحدا لا يسمع الآخر مباشرة، بمعنى أنه لا يمكن استبعاد أن البعد الموازى (حوار بمحاذاة الألفاظ) قد يقوم بوظيفة إيجابية، بدليل استمرار الحوار.
تعقيب محدود:
يلاحظ أن هذا النوع هو – على الأقل فى ظاهره- أبعد ما يكون عن جدلية الوعى البينشخصى أو الوعى الجمعى، (فى العلاج الجمعى أو علاج الوسط بالذات)، لكن تظل له الوظيفة الدفاعية، التى يمكن أن تكون ضرورية خاصة فى المراحل الأولى من تخليق الوعى معا، كما يظل احتمال وجود “حوار بمحاذاة الألفاظ” قائما!! وهو المهمة التى يقوم بها الوعى البينشخصى.