fbpx

‏المدمن‏ ‏المتداوى

من كتاب: "بعض ما يجرى داخل المدمن" ولمحات من ثقافتنا الشعبية

‏المدمن‏ ‏المتداوى

(‏سواء‏ ‏كان‏ ‏علاجا‏ ‏وقائيا‏- ‏أم‏ ‏فعليا‏)‏

أفردنا هذا النوع مستقلا برغم تداخله مع النوع السابق لأنه ليس كل مدمن مريض مدمناً   بالضرورة.

ذكرنا‏ ‏حالا‏ ‏أن‏ ‏التعاطى ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏التداوى ‏الذاتي، ‏ونضيف‏ ‏هنا‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التداوى (‏الذاتى‏) ‏يبدأ‏ ‏عادة‏ ‏فى ‏مرحلة‏ ‏بدايات‏ ‏أو‏ ‏إرهاصات‏ ‏المرض، ‏وأنه‏ ‏متى ‏نجح‏ ‏نسبيا‏ ‏فى ‏تخفيف‏ ‏الألم‏ ‏أو‏ ‏تجنب‏ ‏رؤية‏ ‏الداخل‏ ‏المفزعة، ‏أو‏ ‏تعرية‏ ‏الواقع‏ ‏المر، ‏أو‏ ‏لو‏ أنه ‏نجح‏ ‏فى ‏تأجيل‏ ‏التناثر‏ ‏المَرَضىِ المهدِّدْ، ‏فإن‏ ‏من ‏تعاطاه‏ ‏لمداواة هذه‏ ‏الأغراض‏ ‏يجد‏ ‏مبررا‏ ‏تلقائيا‏ – ‏ليس‏ ‏واعيا‏ ‏بالضرورة‏- ‏للاستمرار‏ ‏فى ‏عملية‏ التعاطى فالإدمان، ‏فيجد نفسه فى مسار إلى مآلٍ ‏أخطر‏ ‏من‏ ‏المرض‏ ‏الذى ‏حاول‏ ‏أن‏ ‏يتجنبه‏ ‏فعلا‏.‏

إن هذا‏ ‏الفرض‏ ‏يحتاج‏ ‏لأكبر‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏الخبرة‏ ‏لاكتشافه‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏افتراضه، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏يحتاج‏ ‏لأكبر‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏المهارة‏ ‏والحذق‏ ‏ونحن‏ ‏نحاول‏ ‏أن‏ ‏نساعد‏ ‏فى ‏علاج‏ ‏الإدمان‏ ‏المصاحب‏ ‏أو‏ ‏المغطى ‏له‏، ‏وأهم‏ ‏ما‏ ‏يرجح وجود‏ ‏هذين‏ ‏النوعين‏ ‏السابقين ‏ما‏ ‏يلى‏:‏

‏1) ‏وجود‏ ‏مرض‏ ‏فى ‏الأسرة‏ ‏من‏ ‏النوع‏ ‏الذهانى ‏بالذات‏.‏

‏2) ‏علاقة‏ ‏بعض‏ ‏المواد‏ ‏المتعاطاة‏ ‏بأمراض‏ ‏بذاتها، ‏مثل‏ ‏غلبة‏ ‏تعاطى ‏الهيروين‏ ‏لعلاج‏ ‏الاكتئاب، ‏أو‏ ‏تعاطى ‏المثيرات‏ ‏والمذيبات‏ ‏للذات (الحشيش من أبسطها وأشهرها) ‏ ‏لفك‏ ‏جمود‏ ‏الشخصية فى الاضطراب النمطى للشخصية‏ ‏والتخلص‏ ‏من‏ ‏التوتر‏ ‏المتكرر‏ ‏أو‏ ‏المزمن‏.. ‏وهكذا‏.‏

‏3) ‏توقيت‏ ‏بدء‏ ‏التعاطى ‏فى ‏نفس‏ ‏السن‏ ‏الذى ‏أصيب‏ ‏فيه‏ ‏شقيق‏ ‏أو‏ ‏أخت‏ -‏مثلا‏- ‏بمرض‏ ‏نفسى ‏صريح‏.‏

‏4) ‏رصد‏ ‏بداية‏ ‏التعاطى ‏بعد‏ ‏ظهور‏ ‏أعراض‏ ‏منذرة‏ ‏أو‏ ‏عابرة‏ ‏لمرض‏ ‏يكون‏ ‏معروفا‏ ‏فى ‏الأسرة‏ ‏أو‏ ‏فى ‏التاريخ‏ ‏السابق‏ ‏للمدمن‏.‏

‏5) ‏استجابة‏ ‏المريض‏ – ‏الإيجابية‏ ‏نسبيا‏- ‏لـلمادة‏ ‏المخدرة، ‏باختفاء‏ ‏الأعراض‏ ‏أو‏ ‏التخفيف‏ ‏من‏ ‏الألم‏ ‏النفسى ‏أو‏ ‏التغافل‏ ‏عن‏ ‏احتمال‏ ‏التناثر، ‏مما‏ ‏قد‏ ‏يعتبر‏ ‏بمثابة‏ “‏الاختبار‏ ‏العلاجى” (1) ‏بمعنى ‏أن‏ ‏المادة‏ ‏المخدرة‏ ‏قد‏ ‏قامت‏ ‏فعلا‏ ‏بدور‏ ‏علاجي (برغم  خطورتها فى ذاتها)‏.‏

‏6) ‏ظهور‏ ‏أعراض‏ ‏مرضية‏ ‏بذاتها‏ ‏بعد‏ ‏الانقطاع‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏أعراض‏ ‏السحب، ‏واستمرارها‏ ‏ما دام‏ ‏لم‏ ‏يأخذ‏ ‏علاجا‏ ‏آخر‏ ‏ولم‏ ‏يرجع‏ ‏إلى ‏التعاطى‏.‏

‏7) ‏استجابة‏ ‏هذه‏ ‏الأعراض‏ -‏التى ‏ظهرت‏ ‏أثناء‏ ‏العلاج‏ ‏بعد‏ ‏الانقطاع‏- ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏ظهورها‏ ‏صريحا‏ ‏أو‏ ‏ضمنيا‏ ‏لعقاقير‏ ‏أخرى ‏ذات‏ ‏أثر‏ ‏نفسى ‏مناسب لها: ‏ ‏مثل‏ ‏مضادات‏ ‏الاكتئاب‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏الاكتئاب‏ ‏أو‏ ‏مضادات‏ ‏الذهان‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏الفصام‏ (‏مثلا‏).‏

الفائدة والتطبيق:

إن الوضع‏ ‏فى ‏المجتمع‏ ‏العلاجى‏: ‏بالنسبة‏ ‏للمدمن‏ ‏المريض، ‏أو‏ ‏المدمن‏ ‏المتداوى ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يوجه‏ ‏بجدية‏ ‏كافية‏ ‏إلى ‏علاج‏ ‏المرض‏ ‏الكامن‏ ‏أو‏ ‏المرض‏ ‏المصاحِب، ‏أو‏ ‏المرض‏ ‏المؤجـَّل، ‏ولا‏ ‏يكفى ‏فى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏التطبيب‏ ‏بالعقاقير، ‏لأن‏ ‏لسان‏ ‏حال‏ ‏المدمن‏ ‏يقول‏: ‏كيمياء‏ ‏بكيمياء‏: “‏الذى ‏تعرفه‏ ‏أحسن‏ ‏من‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏تعرفه‏!!!، (إللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش)، ‏فأريحوا‏ ‏أنفسكم‏ حضرات السادة الأطباء لقد عملتُ اللازم.،

ولا‏ ‏يقبل‏ ‏المدمن‏ ‏أن‏ ‏ينقلب‏ ‏مريضا‏ نفسياً ‏صريحا‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏لاحت‏ ‏له‏ ‏فرصة‏ ‏علاج‏ ‏حقيقى ‏لا‏ ‏يقتصر‏ ‏على ‏العقاقير، ‏ذلك‏ ‏لأن‏ ‏لسان‏ ‏حاله‏ ‏يقول‏ ‏لمثل‏ ‏هذه‏ ‏العلاجات‏ ‏الدوائية‏ ‏الصِّرف‏: ‏”مِنْ‏ ‏كيميا‏ ‏لْكيميا‏ ‏يا‏ ‏قلبى ‏لا‏ ‏تحزن”، ‏وهذا‏ ‏العلاج‏ ‏الحقيقى ‏غير‏ ‏المقتصر‏ ‏على ‏الكيمياء، قد ‏يرجح‏ ‏إعادة النظر‏ ‏فى ‏انتهاز‏ ‏الفرصة‏ لعلاج متكامل للمرض والإدمان معا.

 


[1] – Therapeutic test

اترك تعليقاً

إغلاق