المدمن المتداوى
من كتاب: "بعض ما يجرى داخل المدمن" ولمحات من ثقافتنا الشعبية
المدمن المتداوى
(سواء كان علاجا وقائيا- أم فعليا)
أفردنا هذا النوع مستقلا برغم تداخله مع النوع السابق لأنه ليس كل مدمن مريض مدمناً بالضرورة.
ذكرنا حالا أن التعاطى قد يكون نوعا من التداوى الذاتي، ونضيف هنا أن هذا التداوى (الذاتى) يبدأ عادة فى مرحلة بدايات أو إرهاصات المرض، وأنه متى نجح نسبيا فى تخفيف الألم أو تجنب رؤية الداخل المفزعة، أو تعرية الواقع المر، أو لو أنه نجح فى تأجيل التناثر المَرَضىِ المهدِّدْ، فإن من تعاطاه لمداواة هذه الأغراض يجد مبررا تلقائيا – ليس واعيا بالضرورة- للاستمرار فى عملية التعاطى فالإدمان، فيجد نفسه فى مسار إلى مآلٍ أخطر من المرض الذى حاول أن يتجنبه فعلا.
إن هذا الفرض يحتاج لأكبر قدر من الخبرة لاكتشافه أو حتى افتراضه، كما أنه يحتاج لأكبر قدر من المهارة والحذق ونحن نحاول أن نساعد فى علاج الإدمان المصاحب أو المغطى له، وأهم ما يرجح وجود هذين النوعين السابقين ما يلى:
1) وجود مرض فى الأسرة من النوع الذهانى بالذات.
2) علاقة بعض المواد المتعاطاة بأمراض بذاتها، مثل غلبة تعاطى الهيروين لعلاج الاكتئاب، أو تعاطى المثيرات والمذيبات للذات (الحشيش من أبسطها وأشهرها) لفك جمود الشخصية فى الاضطراب النمطى للشخصية والتخلص من التوتر المتكرر أو المزمن.. وهكذا.
3) توقيت بدء التعاطى فى نفس السن الذى أصيب فيه شقيق أو أخت -مثلا- بمرض نفسى صريح.
4) رصد بداية التعاطى بعد ظهور أعراض منذرة أو عابرة لمرض يكون معروفا فى الأسرة أو فى التاريخ السابق للمدمن.
5) استجابة المريض – الإيجابية نسبيا- لـلمادة المخدرة، باختفاء الأعراض أو التخفيف من الألم النفسى أو التغافل عن احتمال التناثر، مما قد يعتبر بمثابة “الاختبار العلاجى” (1) بمعنى أن المادة المخدرة قد قامت فعلا بدور علاجي (برغم خطورتها فى ذاتها).
6) ظهور أعراض مرضية بذاتها بعد الانقطاع بعيدا عن أعراض السحب، واستمرارها ما دام لم يأخذ علاجا آخر ولم يرجع إلى التعاطى.
7) استجابة هذه الأعراض -التى ظهرت أثناء العلاج بعد الانقطاع- سواء كان ظهورها صريحا أو ضمنيا لعقاقير أخرى ذات أثر نفسى مناسب لها: مثل مضادات الاكتئاب فى حالة الاكتئاب أو مضادات الذهان فى حالات الفصام (مثلا).
الفائدة والتطبيق:
إن الوضع فى المجتمع العلاجى: بالنسبة للمدمن المريض، أو المدمن المتداوى ينبغى أن يوجه بجدية كافية إلى علاج المرض الكامن أو المرض المصاحِب، أو المرض المؤجـَّل، ولا يكفى فى هذه الحالة التطبيب بالعقاقير، لأن لسان حال المدمن يقول: كيمياء بكيمياء: “الذى تعرفه أحسن من الذى لا تعرفه!!!، (إللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش)، فأريحوا أنفسكم حضرات السادة الأطباء لقد عملتُ اللازم.،
ولا يقبل المدمن أن ينقلب مريضا نفسياً صريحا إلا إذا لاحت له فرصة علاج حقيقى لا يقتصر على العقاقير، ذلك لأن لسان حاله يقول لمثل هذه العلاجات الدوائية الصِّرف: ”مِنْ كيميا لْكيميا يا قلبى لا تحزن”، وهذا العلاج الحقيقى غير المقتصر على الكيمياء، قد يرجح إعادة النظر فى انتهاز الفرصة لعلاج متكامل للمرض والإدمان معا.
[1] – Therapeutic test