نظرة بادئة فى الخطوات الاثنى عشر
بعد الاعتراف فى الخطوة الأولى بأن “قوة الفرد المدمن وحدها أصبحت عاجزة عن إنقاذه”، وأنه قد اصبح “غير قادر على إدارة حياته وحده” تبدأ الخطوة الثانية بأن تؤكد “..أننا توصلنا إلى الايمان بأن قوة أعظم من أنفسنا باستطاعتها أن تعيدنا إلى الصواب”.
نلاحظ هنا أمرين:
الأول أنه بعكس الشائع من أن المدمن علاجه يشترط استعمال الإرادة الذاتية بشكل محدد، وهذا هو ما يتواتر كثيرا فى وسائل الاعلام والدراما وهو الشائع عادة بين الأهل، نلاحظ أن ما جاء فى الخطوة الأولى من الاثنى عشر خطوة يكسر كل هذا الوهم، وهو يهز ضمناً، الغرور الإنسانى الفردى، وهو ما ساد طويلا مع غلبة النزعة الانسانية التى ازدهرت فى القرن التاسع عشر والعشرين فى مواجهه سلطة الكنيسه قبل ذلك.
بمجرد أن تقول مثل هذه الجمل “أننا بلا قوة وإن حياتنا غير قابلة للإدارة”، تقفز إليك قوتين رافضتين جاهزتين للعمل فى اتجاهين متضادين:
الأولى السلطة الدينية الجاهزة تقول: “ما دمت غير قادر على إدارة حياتك فسوف نديرها نحن لك بالنيابة”،
الثانية السلطة المعقلنة الحديثة: تقفز إليك تنكر عليك قولك وتنبهك إلى أنك، هكذا، تستسلم للخرافة، وللميتافيزيقا، إذْ تتخلى عن مسئولية إنسانيتك إلخ.. الخ،
ومع ذلك فهذه هى الخطوة الأولى فى الخطوات الإثنى عشر، وهى ناجحة من واقع الحال.
أرجوك لا تتعجل الحكم.
تأتى الخطوة الثانية لتقول “إن ثمة قوة أعظم باستطاعتها أن تعيدنا إلى الصواب“، يلاحظ أنها لم تقل “تقوم عنا بكل العمل”، ولم تحدد ابتداءً “ما هو الصواب”، ولكن تركت الباب مفتوحاً للعون والاستعانة، وتركت الصواب يحمل كل الاحتمالات.
ثم تأتى الخطوات بعد ذلك حيث تذكر اسم الله صراحة فى بعضها.
وبالرغم مما يبدو فى هذه الخطوات من شبه “الاعتراف” المسيحى إلى درجة ما، إلا أنها ليست بعيدة عن التوبة الإسلامية، ولا عن أية بصيرة بالواقع الداخلى والخارجى فى أية منظومة أخلاقية ممتدة.
هذا الاعتراف لا ينهى الحكاية بل يبدأها،
وهو ليس اعترافا لآخر كوسيط إلى الله، ولكنه اعتراف لله ولأنفسنا “بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيرة”.
وهو إعتراف أقرب إلى البصيرة منه إلى إعلان ذلك بالألفاظ، وهو ليس اعترافا بالأخطاء، ولكن بطبيعة هذه الأخطاء،
كل ذلك يحرك الوعى إلى مساحة من الرحابة والعمق تسمح بمعاودة الحياة الإنسانية بما هى أهل له، لا أكثر ولا أقل.
ثم تأتى الخطوة السادسة والسابعة لتعلن الإستعداد ودرجة التسليم لهذه القوة المُعينة:
فمن ناحية تدعو “لأن يزيل الله كل هذه العيوب الشخصية (وليس فقط يغفر الأخطاء: الخطوة السادسة)، ومن ناحية ثانية أن يسهم فى التخلص من النقائص (وليس من الذنب: الخطوة السابعة).
ثم نجد أنفسنا قرب النهاية فى الخطوة الحادية عشر، وقد شحذ الوعى (بالدعاء والتأمل.. وغيرهما)، لتحسين صلتنا الواعية بالله، مع تذكر أن تحسين الصلة، غير التسليم السلبى، ولكن تحسين الصلة يشمل اليقين بأن الأصل هو الخير، وأن مشيئة هذه القوة لنا هى الصحة، فإذا عرفنا ذلك يقينا، بفضل ما نفعل لنتعرف على فضله، فإن الأمر يحتاج إلى إستكمال الدعاء بأن يعيننا على تنفيذ هذه المشيئة، نحن الذين ننفذها