لغة الطبقة “البيئة”
“أصل الشر فعل الخير”
“يا وحشة كونى نغشة”.
لبـّس الاسمر احمر واضحك عليه
يقال إن الإنجليز وهم يحتلون السودان، كانوا يـنعمون على بعض الكبراء بحلة حمراء أو طربوش أحمر، وهات يا كذب عليهم حين يصورون لهم أن مجرد تغيير الملبس هو تكريم لهم وإيهام بمساواة ما، وواضح ما فى هذا المثل من تمييز عنصرى، وامتهان، واستعلاء، واستهانة، على أن لهذا المثل تطبيق معاصر يجرى حالا حين يـُلـَبـِّسُ الناس “اللى فوق” (المُعـَوْلمِينْ) بعض الشعوب الإفريقية والمتخلـَّفة!! بعض مظاهر المدنية، مثل فرض لغة فرنسية عليهم، أو تصوير ما يمارسونه من قبلية مقاتلة على أنها ديمقراطية حديثة، أو تصدير بعض قشور الإنجازات التقنية للاستعمال الاستهلاكى الضحل، وكأن الشكل الحضارى يتحقق بمجرد استعمال أدوات تشبه ما يستعمله المتحضرون.
“لبس الإفريقى أو الأسيوى، منصبا دوليا!! واضحك عليه”.
تقوم أيضا شركات الدواء بتزيين بعض الوجوه، وتقديمهم لأنفسهم وللمجتمع العلمى والمجتمع الطبى العالمى، باعتبارهم روادا فى مجالهم، حتى يصدقوا أنفسهم، وهات يا ضحك عليهم، وعلينا، وعلى المرضى وعلى الحقيقية… الخ.
لولاك يا لسانى ما انسكيت يا قفاى
يتضمن هذا المثل دعوة صريحة للنفاق والصمت الجبان، مع أنه يمكن أن يكون دعوة للتحلى بالصمت الحذر، أو للتحفظ فى الكلام، إلا أن الذى يـُــسـَك على قفاه لمجرد أنه نطق برأى أو إشار بمشورة لا يكون سكوته حكمة، وحسابات، فهو يستأهل أن يخاطب لسانه بهذا المثل.
جور ”الغـُـز”، ولا عدل العرب
كلمة الغز كانت فى الأصل تطلق على الأتراك، ثم امتد معناها إلى التمييز للأجنبى بصفة عامة، ثم امتد بدرجة أقل للتمييز الطبقى. أو التفرقة الإثنية، ولكنها أيضا تكمن فى تفضيل الرضا بالذل من سيد لأنه سيد بأصله عن عامة الناس، إن شيوع ثقافة الذل والرضا بالظلم من أى سلطة سواء كانت سلطة السادة، أو الطبقة الأعلى، أو المستعـِمر، أو أى شيخ أو كاهن، هو أمر قبيح ينبغى أن يرفض بغض النظر عن مَنْ هو الظالم.
إن قابلك الاعمى خد عشاه، مش حا تكون أرحم ماللى عماه
هذا مثل يبدو لى فى منتهى القسوة، وهو يبرر التمادى فى ظلم الأضعف، بل إنه يتطاول حتى على رحمة ربنا،
الخلاصة: لعلنا نلاحظ ونستنتج من خلال كل ما تقدم:
أولا: إن الوعى الشعبى قد يكون شديد القسوة، وعلينا ألا نستسلم بسهولة لما يخرج منه حتى لو تعمَّق وتأصَّل واستمر فى “مَثَلٍ” أو “لغة جديدة” أو “أسطورة” أو غير ذلك.
ثانيا: إن الزعم بأن أهل الزمن الفائت قد يكونون أقل قسوة، وأكثر حكمة، هو زعم لا ينبغى تعميمه دون تحفظ، وهو مشكوك فيه، وينبغى مراجعته.
ثالثا: إن أى لغة فيها وفيها، خصوصا اللغة التى يفرزها الوعى العام، فى فترة بذاتها
رابعا: إن تسجيل معالم القيم السلبية فى مثـل عامى متداول، أو قول شائع، فى فترة بذاتها، لا يعنى الإقرار بالمحتوى على طول الخط، إنه نوع من إعلان واقعٍ ما، فى فترة بذاتها، وبالتالى هو يتضمن بالضرورة دعوة لدراسة دلالات الذى يجرى حولنا، أو الذى وصل إلينا سواء كان مثلا شعبيا أو لغة شبابية أو رطانا مستوردا.
خامسا: ومع ذلك فإن قسوة الوعى العام التى لا يمكن إغفالها، لا يمكن اتهامها فى ذاتها لأنها قد تكون رد فعل دفاعى فى فترة من الفترات.
سادساً: إن هذا المدخل يدعونا للنظر فى دلالات لغة الشارع الجديدة، اللغة الشبابية، أو اللغة “البيئة”، بشكل أخر غير مجرد الرفض والحكم الفـَـوْقى على طول الخط.
كتاب قراءة فى النفس البشرية من واقع ثقافتنا الشعبية الفصل التاسع عشر