إللى مالـُوش كبير… يشتريـلـُه كبير 2
المثل بهذا التركيز، وهذه الدقة، يذكرنا بأن معركتنا فى سلسلة التطور ليست فى التخلص من الحلقة السابقة (الوالد)، وإنما فى الاعتماد عليها حتى تجاوزها دون الاستغناء عنها، أى بإعادة تنظيم العلاقات بحيث تأخذ مكانها المناسب فى التركيب الجديد، فليس المطلوب هو أن يتحرر الإبن من أبيه، وإنما المطلوب فى النهاية هو أن يصر الإبن – فى الوقت المناسب – أن يكون قائد المسيرة بأبيه – وليس بالرغم منه، ولا تحت أمره، ولا بدونه – مكمِّلا حلقات التطور المتداخلة إلى من يليه.. (يليهما) هكذا.
فإذا رجعنا إلى المثل وجدناه يعلن عن الحاجة إلى الكبير، دون تقديس له أو انسحاق تحته، بل هو يشير إلى تفوق واع، فالمشتـَرَى عادة هو تحت أمر وإذن الشارى لغرض ما، إذ لا يعقل – من حيث المبدأ – أن يكون ما أشتريه هو سيدى وقائدى، حيث أن فــعل الشراء نفســه يضــعه فى حجمه المتواضــع، ولأَنْ أشترى لى كبيرا أتوكأ عليه، وأستعمله فى حوارى ومسارى، لهو أمر يحمل معنى أنى (الشارى) أنا القائد، وفى نفس الوقت أنى أحتاج إلى شراء هذا الكبير وأنا قادر على ذلك، لماذا؟ لأستمر به إلى ما هو بعدنا: هو وأنا، اللهم إلا إذا اضطرب المسار واهتزت القوانين، وطغى المُشـْتـَرَى بعد أن تمكن (وهذا وارد أيضا، تاريخا، وفعلا).
ثم يأتى موضوع شراء الكبير فى الصداقة والعلاج النفسى وفى رحاب مشــايخ الطــرق، والشراء فى المثــل (وفى الحيــاة) لا يستلزم بالضرورة مقايضة مادية: مالا محددا، وأبسط أنواع المقايضة التى تجرى بالاعتمادية المتبادلة، يكون فى الصداقة، فصديقى هو كبيرى لأنه ناصحى ومســتشارى وملجئى ورفيـق طريقى، وأنا له كذلك، واحـدة بواحـدة، أو لعل ثمَّ (صديق) ثالث يقوم لأىٍّ منا بدور الكبير وهكذا، أى أن عقد شراء صداقة قد لا يكون بين اثنين فحسب، بل بين مجمــوعة من الناس تتبادل الشراء دون علم أفرادها بطبيعة الصفقة وحسابات المكسب والخسارة، وشراء الصداقة يشمل شراء الكبير.
ثم تغيـَّرَ الحال، راح كل طرف يشك فى كل طرف آخر فى شركة الصداقة ويرجح أنه الخاسر، وادَّعى المثاليون أن الصداقة تضحية بلا ثمن، وأحـْبـِطَ آخرون حين وجدوا أن الكبير المـُعـِين هو أحوج إلى أن يـُعـَان.