عن المدمن المزمن (المستـَتـِب)
من كتاب: "بعض ما يجرى داخل المدمن" ولمحات من ثقافتنا الشعبية
ومثلما الحال فى الأمراض النفسية عامة نجد أن المرض حين يزمن يستقر ويستتب، حتى يصبح جزءا لا يتجزأ من الشخصية، فإذا أضفنا تأثير كيمياء التعاطى على بيولوجية التركيب ومن ثـمَّ حركية المرض، أمكن أن نعرف كيف تصبح مادة الإدمان جزءا أساسيا فى أيْض الأنسجة (تمثيلها الغذائى)، يصبح الإدمان تركيبا بيولوجيا غائرا ومتجمدا، ويصبح الانقطاع عنه صعبا، كما يصبح التمادى فيه تدميرا مؤكدا.
على أن هناك نوعين أساسيين من الإزمان:
(أ) “المدمن المزمن المعتدل“. وكثير من المدمنين الحاليين يأملون فى الوصول لهذا الوضع، حيث يأملون فى الحصول على لذة التعاطى بشكل معتدل دون الخسائر الهائلة والمدمرة التى تصاحب الإدمان إلا أن هؤلاء يفشلون دائماً فى الوصول للمستوى الذى يتصورونه متحكماً/مسيطراً.
ويمكن أن يكون علاج “الميثادون المنظـم”، كبديل، ويشمل السماح بتعاطى جرعات محدودة تحت إشراف لمدة طويلة، هو نوع من الاعتراف بأحقية هذا المدمن فى هذه المعاملة، على أن يعطى وبأسلوب طبِّى مسئول منظم، وفى رأيى أن هذا النظام لا يناسب ثقافتنا بشكل كاف، وربما لذلك لم يتم التصريح به للتطبيق العام.
(ب) أما النوع الثانى، ولنسمه “المدمن المزمن المُدَمَّر”، فهو الذى تزيد فيه جرعة الإدمان باستمرار، وذلك مع تمادى التعود وازدياد الحاجة حتى تدمير الذات أو الممتلكات أو المحيطين أو كل ذلك.
وليس معنى هذا التقسيم أن نتراخى فى علاج هذا النوع المزمن المعتدل، بل إننا لابد أن نخشى طول الوقت أن يتحول إلى المزمن المدمَّر.
الفائدة والتطبيق:
وعلاج المدمن المزمن -عامة- فى المجتمع العلاجى له مواصفات خاصة، فهو:
1) يحتاج إلى وقت أطول، وتأهيل ممتد.
2) أيضا يحتاج الأمر إلى التدرج فى الانقطاع، والتدرج فى التحريك، وكذلك لابد من الصبر والمثابرة.
3) كما نحتاج إلى تعاون شديد مع الأهل وخاصة بعد الخروج من المستشفى إذا كان قد أودع فيها.
4) وأيضا إلى الاعتماد بشكل مناسب على العقاقير البديلة، والمساعدة لمدة مناسبة حسب الحالة.
5) ثم إنه ينبغى البحث عن أسباب هذا الإزمان والاستتباب الخطر، ذلك لأنه فى هذه الحالات قد يكون سبب الإزمان فى أمراضه الكامنة أو ظروفه المحيطة مقبولا ولو مرحليا، وهنا لابد من التوجه إلى العمل على أن تخف أو تزول بعض هذه الأسباب التى لابد من وضعها فى الاعتبار، ونورد بعضها فيما يلى:
(أ) أن ثـَمَّ مرضا (نفسيا) خطيرا يهدد باستمرار بالظهور، وبالتالى فإن هذا المدمن ربما يواصل تجنب ذلك المرض بهذا التمادى فى التعاطى، ويظهر هذا من التاريخ الأسرى بوجه خاص، ومن أن مواصفات المدمن المتداوى -أنظر بعد- تنطبق عليه جزئيا، ومن أنه مع الانقطاع لاتظهر أعراض الانقطاع فحسب، وإنما ربما تظهر أعراض المرض الكامن أيضا، وقد تتمادى.
(ب) أو أن الظروف المحيطة هى من القسوة والاستمرار بحيث لا تسمح بالتوقف، مثل بعض الزيجات الشديدة الإتعاس، أو مثل القهر المستمر فى أى مجال، أو مثل رعاية مزمنة لعزيز فى العائلة مريض بمرض مستعص…إلخ.
(ج) أن تكون طبيعة العمل نفسه تُسَهَّل الفرص للتعاطى أو تقلل من تكلفته (مثل العاملين فى السياحة الساحلية أو فى الموانيء، أو من المتعاملين مع بعض هذه المواد بحكم عملهم، كالصيادلة وبعض الأطباء والممرضين.. إلخ).