الجدل الحيوى (ديالكتيك النمو) فى العلاج الجمعى
أعترف أن استيعاب واقع الجدل أمر شديد الصعوبة مالم يمارس فعلا فى خبرة ومعايشة، كما أعترف أنى وصلت إليه من احتكاكى بهؤلاء الناس (أعضاء المجموعة) ونفسى (وعموم المرضى) قبل أن أقرأ عنه، كما أعترف أنى عذرت كل من شوهه أو تشوه من خلاله.
فليس الجدل حواراً عقلياً كما يتصور البعض (وربما كانت الترجمة مسئولة عن هذا الخلط عند العامة ولذلك أفضل استعمال الأصل اللاتينى “الديالكتيك”)،
وليس الديالكتيك صراع ضدين بمعنى “الصراع” Conflict
وليس الديالكتيك حلا توافقياً وسطاً بين المتصارعين، بمعنى توصية Compromise
وليس الديالكتيك احتواء أحد المتصارعين للآخر،
وليس الديالكتيك مبرراً للحفاظ على سلبيات الحياة لاستمرار التناقض،
ولا يسمح الديالكتيك باتفاق ودى يتم لحساب تبادل الأدوار وتناوبها بين المتناقضين بشكل دائم،
ولا يتم الديالكتيك بمحاولة إلغاء أحد المتصارعين وإنكاره . .
………
………
وقد ألفنا أن نتحدث عن النفس بمعنى
نشاط المخ، أو بمعنى رمزى بلا تحديد، أو بمعنى دينامى على أساس وجود قوى متصارعة مع بعضها، ولكننا لم نتعود أن نتحدث عنها بمعنى
“الناتج النامى النابض المتجدد الممتد لحركة النمو الديالكتيكى للجهاز العصبى فى احتكاكه المستمر بالبيئة (وخاصة بالآخر الإنسانى)”
هذا هو تصورى لماهية النفس…
أما ماهية الديالكتيك فإنى أجد من الصعب علىّ أن أنقلها كما عايشتها فى كلمات (وأظن أن هيجل قد ظُلم من خلال هذه الصعوبة كذلك) ولكن الضرورة تلزمنى بالاجتهاد فالقول:
“إن الديالكتيك هو حركة المواجهة المتلاحمة الحية الصادقة بين الأضداء.. التى إذا استمرت فى حيوية لوقت كاف .. دون أن تقضى على الكائن الحى (أو على الشعب أو على الفكرة) فإنها قادرة على تفعيل هذه الأضداد فى كلٍّ جديد أكبر من مجموع أجزائه، وبالتالى فهذا الكل الجديد ذو نوعية جديدة وقوانين جديدة …”
إذن فالديالكتيك الحى ليس فيه غالب ومغلوب، بل ولا سلب وإيجاب، بل ولا حسن وسئ، وإنما أدنيان إلى أرقى. ونجاح الديالكتيك هو فى أن يكون الكيان الجديد تمثيلا واستيعابا لكل من الكيانين السابقين معاً، وهو أمل النمو النفسى باستمرار.
ولا شك أن هذه الفكرة قد خطرت كأمل عند المفكرين الإنسانيين فى علم النفس بل وكمرحلة طبيعية فى نمو الشخصية ويظهر هذا واضحاً فى تفكير ماسلو، وحديثة عن مرحلة اختفاء الاستقطاب
- بين المنطق والنزوة،
- بين الوسيلة والغاية،
- وبين الأنانية والأثرة ..الخ