شباب مصر إلى أين (2)
– كيفية انتشال الشباب وجذبه إلى طبيعتنا وتقاليدنا الأصيلة؟
لاأحسب أن المطلوب الآن بوجه خاص أن نعود إلى طبيعتنا، أو نرجع إلى تاريخنا، بنفس القدر الذى هو مطلوب أن ننطلق إلى حقيقتنا، وأن نفجر فطرتنا، وهى الفطرة الإنسانية التى فطر الله الناس عليها، والتى لم يعد هناك مجال لاحتكارها بلون أو لغة أو جنس أو حتى دين، بعد ثورة الاتصالات والمواصلات، لقد أصبح التكامل الحضارى بديلا عن الصراع الحضارى، وأصبح الإبداع الواجب فرض عين على كل نوع وجنس، وأصبحت قضية محاربة التلوث هى التهديد الجماعى للجنس البشرى بالإنقراض.
فأى مكسب يحققه أى إنسان فى أى بقعة على سطح الأرض ضد غول الفناء والإنقراض هو من حق الجنس البشرى كله، لذلك وجب تقليد اليابانى فى عمله، والإنجليزى فى حريته، والعربى فى شهامته، والسويسرى فى نظافته، والمصرى فى صبره ومرونته، والعربى فى شهامته، هذه مجالات إنسانية عامة لم تعد ملكا لأحد، وفى مثل ذلك فليتنافس المتنافسون.
– ماذا تقول للشباب؟
أقول له: قلد ولا تخف، ولكن ليكن تقليدك جميلا ومتقنا وكاملا، وليكن تقليدك خطوة نحو التطوير والتعديل فالانطلاق فالابتكار، سواء كان مصدر تقليدك هوإنجاز من سبقك على سلم الحضارة، أم كان مصدره هو من أسلمك شعلة تاريخك وفخر أسلالفك، قلد وحور وانطلق، ولا تدخل معارك وهمية لا وقت لها ولا جدوى منها.
– الشباب معذور، والوهم كبير، والألفاظ خادعة، والإغراءات كثيرة، والحرية هى الراية التى يلوحون بها للشباب، وفى نفس الوقت هى الحلم الذى يراود الشباب، فأين الحقيقة من كل ذلك؟
الحقيقة الأولى: هى أن الحرية ممارسة وليست كلاما، وكلما زاد الكلام عن الحرية كانت بعيدة عن حقيقته.
الحقيقة الثانية: هى أنه لا توجد حرية بدون قدرة، فالذى يقول أنا حر لا بد أن يملك مقومات فرض حريته، ورفض الذل، واستقلال الرأى حتى لو خسر فى ذلك مايخسر، فلا يوجد مجال الحرية- بالمعنى المطلق- لشاب مازال يأخذ مصروفه من والده، أو لفتاة مازالت لا تستطيع أن تواجه الإختلاف مع أمها إلا بنوبات الإغماء، وعلى ذلك من يريد أن يكون حرا عليه أن يعرف ليكون قادرا أولا.
الحقيقة الثالثة: أنه لا توجد حرية فى فراغ، فالحرية دائما هى فـى مواجهة آخر، أو مواجهة سلطة، أو مواجهة رأى مخالف، وعلى ذلك فالإنسان الذى يعيش وحده فى جزيرة منفردة لا يعرف شيئا إسمه الحرية أصلا.
الحقيقة الرابعة: إن الحرية لا تنفصل عن نتائج ممارستها، فالذى يقول أنا حر فى السفر إلى الخارج للعمل دون عقد عمل، وضد توصية السلطات ونصائح الأهل، لا بد أن يتحمل نتائج معروفة أو غير معروفة، مثل الوحدة والبطالة، وربما المذلة والإهانة فى الغربة، فإذا نحى باللائمة على غيره فهو ليس حرا تماما.
الحقيقة الخامسة: هى أن الحرية ليست منحة يمنحها الأب للإبن أو تمنحها الحكومة للشعب، الحرية حق من يعمل، وحق من ينتج، وحق من يستقل.
الحقيقة الأخيرة: هى أنه لاتوجد حرية إلا مع ناس أحرار، فلو أن هناك فردا واحدا يتمتع بالحرية على حساب حرية كل الناس الآخرين فهو عبد لنزواته الشخصية لا أكثر ولا أقل.
وأعتقد أنه يحق لى بعد ذلك أن أذكر أن الحرية هى أعظم من أن نتحدث عنها، وأغلى من أن ننساها، وأجمل من أن نشوهها، وإن علينا أن نستقل شبابا وأفرادا وأمة، نستقل بالإعتماد على النفس والعرق والإنتاج، ثم سنجد أنفسنا أحرارا بشكل تلقائى رائع- بدلا من أن نكف- عن العمل، ونتصارح بالألفاظ عن حرية لا نعرف حقيقتها.
الحرية هى العمل
الحرية هى احترام الآخر
الحرية هى الاعتماد على الذات مع التبادل المتكافىء.
الحرية هى قوة الإصرار.