رسالة إلى انتحارى
“الأحياء هم الجبناء
حين اختاروا العيش، أم الشهداء
حين اختاروا الموت بعيداً عن هذا العالم؟ ….”
نجيب سرور
بتنا لا نملك إلا الاعتراف، هكذا أتصور، الاعتراف الموجع بأنه “بالطبع نجح المتفجرون فى لفت انتباهنا وإثارة مخاوفنا وفى إرهابنا”. ها نحن نخشى ونرعب على أرزاقنا وسياحتنا وسمعتنا وسلام شوارعنا وأماننا فيها، كما نخشى أيضاً على صورة تحضرنا وصورة إسلامنا وعلى وحدتنا الوطنية وتركيبة مجتمعنا وطعمه وروحه وتماسك صفوفه فى اتجاه أهداف مشتركة. لا نملك أن نكتفى بوصف بعض الحالات بكونها “فردية” أو مجنونة؛ فمجمل ما يحدث حولنا يشير إلى أن مثل هذا الحكم لا يحمل إلا عمى وصمماً ليس أقل خطورة مما نخشى منه، فهل نحتمل مثل هذا؟ هكذا يزلزل شاب منتحر أرضاً نريدها ثابتة، سواء اعتبرنا انتحاره استشهاداً أو جنوناً وكفراً. بتنا لا نملك إلا الاعتراف، هكذا أتصور، الاعتراف الموجع بأننا أسأنا التربية وأسأنا التقدير، وأسأنا إدارة الأمن والأمان والإمساك بزمام السلطة.
ربما كان أسهل ما يمكن أن نقوله لأنفسنا هو أننا لا نفهم هذا الشاب ولا أقرانه ولا جماعته (مضمنين الرفض فى عدم فهمنا بالطبع)، ولكن هل سيعفينا انغلاق الفهم علينا من مصير لا نريد توقعه؟! نقول لأنفسنا إننا نفهم اليأس، ولكننا لا نفهم الانتحار، إننا نفهم الغضب ولكننا لا نفهم القتل، إننا نفهم الدين (الصحيح خاصة!!) ولكننا لا نفهم التطرف، إننا نفهم ثورة الشباب ومشاكلهم ولكننا لا نفهم الهمجية والتخلف فى طريقة التعبير عنها، إننا نفهم الحلم ولكننا لا نفهم تحقيقه بالقوة، إننا نفهم الأمل فى المعنى ولكننا لا نفهم التصلب فى فرض الرؤية ولا الجمود فى التصور، إننا نفهم الاستشهاد ولكننا لا نفهم قتل “الأبرياء”، إننا نفهم الحرب إذا كانت ضرورة ولكننا لا نفهم أن يواجه سلاح أخى أبى وأمى وجارى ومجتمعى، هؤلاء الذين لم يحتلوا أرضى ولا اغتصبوا شعبى. كل هذا -بالنسبة لهم على الأقل- محض لعب على التعريفات والمفاهيم لا يغير من ضرورات الواقع المعيش شيئاً. نقول لأنفسنا أيضاً إننا نفهم أن يضلوا الطريق فى مرحلة المراهقة والشباب، ولكننا لا نفهم أن يصموا الآذان عن نصحنا وإرشادنا ونحن نبين لهم المسارات الصائبة، ونحن نرشدهم سواء السبيل.
د.محمد يحيى الرخاوى
نشر المقال كاملا فى مجلة “سطور”: العدد 103 (يونيو) 2005، ص 30 -35