حوار المواكبة:
هذا النوع من الحوار هو الذى عنيناه طول الوقت كإضافة توضيحية محددة لما يميز علاجنا، ربما يبين ذلك ما دعانا إلى تسمية ما نمارسه من علاج باسم “المواكبة” جنبا إلى جنب مع “المواجهة، والمسئولية”، وهو يشمل عدة مواصفات يصعب شرحها لأنه ممارسة كلية عملية خبراتية أساسا، ولكن لا مناص من المحاولة، فهو يشمل كلا مما يلى.
1) استعمال الكلام بأقل قدر من اللفظنة Verbalism (استعمال الألفاظ للألفاظ)
2) توصيل المعنى المراد بأبة وسيلة على قنوات متعددة: بالإشارة، وتعبير الوجه، وبريق العين، ولون الجلد… الخ
3) رفض التقريب والتعميم ما أمكن.
4) أن تكون الألفاظ مجرد إحدى الأدوات لما بها وما حولها، بالمقارنة ببقية قنوات التواصل.
5) يشمل الحوار المحاذى للألفاظ سواء بمعنى التحليل التفاعلاتى: التخاطب على أكثر من مستوى “ذات” لأكثر من هدف معاً، وهو الذى أفاض فى شرحه إريك بيرن، أم بمعنى أشمل لأى حوار مواز للألفاظ مهما كانت مستوياته.
6) القدرة على التراجع بمعنى النكوص الواعى حتى يوازى المتحاوران أحدهما الآخر فى موقع رحلته للداخل والخارج، للقبـْل والبعد، ثم القدرة على الصحبة للرجوع معا.
7) مخاطرة التغيير نتيجة أية رسالة صادقة مغَيِّرة تصل من الآخر، فصاحِبَىْ هذا الحوار جاهزان للتقبل المتبادل بقدر طيب من المرونة.
8) الاعتماد فى نهاية النهاية على تلقائية الذات موضوعيا، إذ يصبح الحوار مع الآخر باعتباره “آخر” وليس بما أسقطه عليه بما يسمح بتواصل الحركة الحقيقية: منه وإليهم، وبالعكس
9) هو يبدأ من قاعدة ذاتية ثاتبة، تسعى نحو ذاتية الآخر مع الاحترام المتبادل، ثم يعود إليها دون تخلخل عنيف فى حركية الذهاب والعودة، محاطا بدرجة ما بوعى جمعى محتمل.
10) يتجلى فيه التقبل النشط، وأعنى به القدرة على ممارسة الحياة مع المختلفين، وتقبل الاختلاف من حيث المبدأ، وبصفته حقيقة موضوعية حتمية، مع التفاعل والالتحام الصادق المستمر بين البداية والنهاية دون وضع أى افتراض جامد مسبق.
تعقيب محدود:
يبدو مثاليا بشكل أو بآخر، بالنظر لندرة تواتره فى الحياة العادية، وحتى فى العلاج، فإنه لا يبدو هكذا تماما، ولا يحتل بهذه المواصفات مساحة كبيرة من وقت العلاج او حركية التفاعل، وكل هذا صحيح.
لكننى بعد هذه السنوات الثمانى، ومع استمرار ممارسة العلاج الجمعى وعلاج الوسط، انتبهت إلى أن ما يخفف من مثاليته، ويحفز من احتمال تغليبة هو ما وصلنى:
أنه إنما يتم بين المتحاورين من خلال الوعى البينشخصى أساسا، والأهم أنه مع انتقال المجموعة (أو مع استمرار نشاط الوسط العلاجى) يصبح “الدخول والخرج” إلى الوعى الجمعى أيسر وأكثر امانا، بما يتيح التنقل بين الوعى الجمعى، والوعى البين شخصى، والوعى الشخصى طول الوقت حسب حركية النمو وموضوعية التفاعل.