المدمن المعاوِد (الدورى- والمتكرر)
من كتاب: "بعض ما يجرى داخل المدمن" ولمحات من ثقافتنا الشعبية
تكرار التعاطى، فالتوقف، فالتعاطى، فالتوقف، بالعلاج أو بدونه، هو أمر معتاد فى التعامل مع ظاهرة الإدمان، إلا أنه ليس معنى ذلك أن المدمن يتوقف ثم يعود بسبب إلحاح الإدمان وحده، فدورية الحياة، ودورية الطبيعة البشرية فى شكل الإيقاع الحيوى تفترض أن الاحتياجات -والدوافع- تهيج وتفتر تلقائيا ودوريا، وبالتالى فإن التعاطى قد يلح ويتباعد دوريا.
وعلى ذلك ينبغى أن نفرق فى هذه الفئة بين ما يمكن أن يكون تعاطيا “دوريا” (فى وقت معين من السنة مثلا، بعد مدة معينة من الانقطاع) وبين التعاطى المنتكس لظروف الاختلاط الخطر، أو لمجرد الرجعة إلى الوسيلة الأسهل فى تغيير الوعى والحصول على اللذة.
ويساعد فى هذه التفرقة (بين التعاطى الدورى والتعاطى المتكرر انتكاسا) أن ننظر فى التاريخ السابق، وأن نبحث فيما إذا كانت هناك مظاهر سلوكية دورية (مرضية أو غير مرضية) تصبغ سلوكه، أو سلوك عدد من أفراد أسرته (بما يقابل دورات الهوس والاكتئاب)، وكل هذا هام وله دلالته الخاصة، ليس فقط حتى نعامل هذا النوع من الإدمان باعتباره مكافئا للمرض الدوري، وإنما أيضا حتى يمكن أن نواكب دورات الإدمان وقائيا وعلاجيا، أى: حتى نعرف متى يحتد الاحتياج ويلح عليه، فنقدم له البديل الوقائى/العلاجى فى الوقت المناسب.
الفائدة والتطبيق:
يفيد هذا الرصد والتأويل فى التخطيط العلاجى لهذا النوع المعاود (والدورى) من المدمنيين، لأن مثل هذا المدمن قد ينصح بدخول المستشفى للوقاية بمجرد ظهور إرهاصات الدورة المفترضة، إن بعض المجتمعات العلاجية تعمل على مواكبة دورات الحياة، بالاهتمام بكل ما هو إيقاع حيوى: فى النشاط، ومع الطبيعة، وفى التخطيط العلاجى على حد سواء، وبالتالى يستطيع إيقاع هذا المجتمع - بطريق غير مباشر- أن يستوعب إيقاع الدورية التى يتميز بها هذا المدمن، وخاصة لو أتاه فى بداية الدورة الجديدة قبل أن تفعل به المادة المخدرة فعلها، وأحيانا قبل أن يتعاطاها أصلاً.
أما المدمن المتكرِّر المنتكـِس دون دورات، ولا طبيعة دورية ظاهرة، فهو يعامـَل قياسا بـ “أصحاب السوابق”، لا بمعنى العقاب، ولكن بضرورة الاستفادة من المحاولات السابقة.
إن أى تكرار للتعاطى سواء كان دوريا أو مكررا، لا بد أن نعامله على أنه “فصل جديد” فى رواية طويلة، فلا نغفل أبدا الفصول السابقة سواء نجحنا أو فشلنا، فإذا كان قد سبق أن دخل أحد “المجتمعات العلاجية”، فإن دخوله الجديد يكون تكملة مناسبة للخبرة السابقة والنظر فيما كان ينقصها، وما بقى من إيجابياتها (سواء تم ذلك فى نفس المؤسسة العلاجية أم غيرها حتى تتواصل الجهود تكاملا)
هذا وتختلف استجابة هذا النوع (المعاود – الدورى) نتيجة عوامل كثيرة، وهاكم بعضها:
1) قد يستجيب استجابة سريعة وفائقة، فتختفى حاجته بسرعة فور دخوله، ولا ينبغى أن نبالغ فى تصور أن تحسنه هذا يرجع إلى سحر المجتمع العلاجى وقوته الشافية التى ليس لها مثيلا، بل علينا أن نتذكر أن الطبيعة الدورية لهذا المدمن، إنما تسمح له أن ينقلب إيجابيا متى وصلته رموز تساعده على ذلك (الرمز هنا: غالبا هو الروح العامة للمجتمع العلاجى السليم).
2) إنه من واقع هذا التواضع الموضوعى، فإن وظيفة المجتمع العلاجى ذى الطبيعة الإيقاعية هى أن تأخذ بيد هذا المدمن الدورى، لتصل معه إلى فهم دوراته، فنعلّمه كيف ينمى علاقته بدورات الطبيعة بصوره مفيدة (بمعايشة ومصادقة دورات شروق الشمس صباحا، أو دورات الصلاة، أو دورات الرحلات، أو دورات القمر، أو بها جميعا).
3) ثم إننا قد ننظم له دخولا وقائيا محدودا دون نكسة صريحة، فى وقت مناسب لتوقع دورته القادمة، وبالتالى يمكن أن يزور المجتمع العلاجى بهدف جرعة تنشيطية وقائية فحسب.
4) أما المدمن المتكرر دون دورات، فهو يعامَلُ أحيانا معاملة المزمن (أنظر بعد) وأحيانا معاملة المنتكس الصعب
5) كما علينا ألا نطمئن كثيرا إلى تلقائية انتهاء الدورة بطبيعة الإيقاعحيوى، لأن تواتر الدورات وتقاربها، تقلب هذا النوع إلى أحد أنواع الإزمان بعد أن يترسخ المخدر فى خلاياه بشكل دائم.