الدواء والشفاء
"ليس بالدواء وحده يشفى المريض"
الدواء والشفاء
“ليس بالدواء وحده يشفى المريض”هذه المقولة لكم:
-إلى ماذا استندت؟ ولماذا يخالفها الواقع فى الأعم.؟
لقد استندت هذه المقولة إلى كل ما هو حق وكل ما هو علم، إنها مقولة كنت أتمنى ألا أضطر إلى قولها، لأنها بديهية لا أكثر ولا أقل، وهى ليست جديدة على الإطلاق، فالتاريخ قالها وأثبتها، كذلك الطبيعة. بل إن كل أنواع التداوى بما فى ذلك التداوى لعلاج أمراض عضوية خالصة، تؤمن بهذه المقولة وتؤكدها.
إذن فهذه المقولة ليست لى، رغم أننى أكتبها على كل وصفة (روشتة)، بل إننى كنت أضيف إليها عبارة: “التعليمات قبل وبعد ومع الدواء”
يا سيدى: إن الشفاء من الله بكل الوسائل والله خلق الناس فى سواء، فى أحسن تقويم، وهو القادر على أن يعيدهم إلى ما هو فطرى حسن، وهذا هو معنى الصحة الحقيقية، وفى الأمراض النفسية بوجه خاص يتضح معنى الفطرة أيما اتضاح، فالمرض النفسى هو نشاز الطبيعة، وهو ظلامها بعد صفائها، والدواء وحده، وهو كيان مصنوع مقحم على الطبيعة غير قادر على إرجاع الطبيعة إلى طبيعتها.
إلا أن الدواء هو نتاج علم جيد، وهو رحمة من الله مثله مثل سلاسة الطبيعة، لكن المسألة اختلفت حين حل الدواء محل الطبيعة، ولم يعد عونا لها، بل إنه أصبح عنصرا مضادا للطبيعة فى كثير من الأحينان
-هل يمكن أن تزيد هذه المسألة شرحا ؟
إن هذه المسألة تؤرقنى من قديم، فما من مرة حاولت أن أفهم الناس أن الدواء ليس كل شئ حتـى تصوروا أننى ضد الأدوية، وهذا ليس طبا وليس علما، بل إنه ليس عبادة.
وقد يئست طبعا أن يشاركنى كافة الأطباء رأيى هذا، وإن كان كثير منهم يأخذون بعضه بحذر شديد، فتوجهت لعامة الناس، وقد كتبت فى كتابي” صور من عيادة نفسية: عندما يتعرى الإنسان” كتبت رؤية مستقبلية تقول إن الكيمياء ستسهم فى إعادة تنظيم الطبيعة، ولن تستعمل فى قهر الإبداع،
وسمع معى هذا الحوار الوارد منذ أكثر من عشرين عاما، وهو حوار بين رمز لرسولة المستقبل، وبين شخص أرهقه سوء الحاضر
يسأل شخص الحاضر رمز المستقبل:
- وأخبارك مع العلم؟
- أقرأ كل شئ حى
- وهل هناك بين الكتب موتى
- الصفحات مليئة بالتوابيت والموميات
- فكيف حال الأحياء؟
- سخروا الكيمياء لخدمة التطور
- كانت أقراصا تقمع الانطلاق وتعيد الثائر إلى حظيرة المجموع بالضربة القاضية
- أصبحت تنظـم الطاقة، ثم يولد الإنسان من جديد
- والخلايا الثابتة بالوراثة ؟
- يعاد تشكيلها وتنظيمها لتنطلق معا تؤكد ما هو إنسان
- بالكيمياء أيضا؟
- بالكيمياء والحب والطبيعة” وأكتفى بهذا القدر من حوار قديم لترى معى كيف تنسجم الكيمياء مع الحب مع الطبيعة وهذا بالضبط ما أعنيه فى ترشيد استعمال الدواء، فأنا لست ضد الدواء، لكننى ضد سوء فهم موقعه فى سياق الحياة وتوجهات الصحة.
إننى أستعمل نفس الأدوية ولكن من منطلق آخر، وفى سياق آخر.
-الأغلبية لايقنعون بدون أدوية؟
طبعا معهم كل الحق وأنا لا أكف عن إعطاء الأدوية، لكن كما قلت من منطلق آخر وفى سياق آخر، أنا لا أستعمل الأدوية لجلب السعادة، أو تهدئة الخاطر، كما أننى لا أستعمل الأدوية لدغدغة الناس أو معادلة اضطراب كيميائى كما يحاول البعض أن يختزل المسألة، الأدوية ضرورة ولكن بالأصول العلمية والطبية التى تضع مفاهيم أخرى لاستعمال الدواء لا تتعارض مع نبض الناس الأحياء فى حضن الطبيعة.
-وماذا عن آثارها الجانبية كمواد كيميائية؟
طبعا توجد مضاعفات بلا حصر، وأعراض جانبية على كل جهاز من أجهزة الجسم، وعلى الأجنة فى بطون أمهاتهم إلخ إلخ، ولكننى لا أعتبر أن هذا هو الذى يجعل موقفى هكذا من الأدوية، فهذه المضاعفات نادرة ندرة هائلة فى أغلب الأحيان، بل إن المضاعفات الظاهرة مثل رعشة الأطراف أو أضرار تنظيم دقات القلب، أو تغيرات الكرات البيضاء فى الدم، هى كلها مضاعفات ظاهرة يمكن قياسها، لكن اهتمامى الأكبر هو فى المضاعفات الخفية وهى المؤثرة على طريقة التفكير، والمحدثة، للبلادة تحت اسم الطمأنينة، الأعراض الجانبية التى أحذر منها طول الوقت هى تزييف الوعى وتسكين حركة الحياة تحت عنوان العلاج
ثم إنى أحذر أكثر فأكثر من الاعتماد على هذه العقاقير بدلا من من مواجهة التحديات