إجرى يا ابن آدم جرى الوحوش وغير رزقك لم تحوش
إجرى يا ابن آدم جرى الوحوش
وغير رزقك لم تحوش
فيخيل إلينا أن هذا المثل ومثله إنما يوحى أنه لا طائل وراء الجرى والاجتهاد، ما دام الرزق مقـدورا ومقدرا، ولكن النظرة الثانية والمتعمقة توحى لى بأنه لا ينهانا عن الجرى بل لعله يصر على أن نواصل الجرى، حتى لو كان الرزق مقدرا مسبقا، ومحددا ابتداءا، وكأنه يأمرنا بأن نجتهد إلى أقصى المدى شريطة ألا نتصور-غرورا- أن جـَـرْيـِـنا مهما بلغ، هو السبب “المباشر” للعائد منه، ذلك أن عائد الجرى لا يتوقف “فقط” على شدة الجرى وسرعته، بل هو يتأثر حتما، وربما أكثر، بطبيعة الأرض التى نجرى عليها، والطقس الذى نجرى فيه، والرفيق الذى نجرى بجواره، والآخر الذى نجرى فى عكس اتجاهه، وكذا الآخر الذى يزاحمنا فى اتجاهنا.. ثم على المفاجآت التى تفوق حساباتنا، والمكتوبة فى لوحنا لا المفروضة علينا!!
وكأن هذا المثل إذ يؤكد على ضرورة الأخذ فى الأسباب بمنتهى الجدية والعرق، يؤكد أيضا على ضرورة التسليم بالنتائج، لا الاستسلام لها، فالتسليم هو مبادرة بالتأهب لقرار جديد من واقع جديد، والرزق- بالذات- له وضع خاص فى وعينا الشعبى، إذ هو مرتبط بطبيعتنا الزراعية المتصلة بالمناخ وتقلباته وظروف الفيضان ومفاجآت الآفات، ثم إن “الرزق” لا يعنى أساسا “كـم الكسب” كما يطل فى وعى الغربيين ومقلـِّدِيهم المعاصرين، لكنه يتطرق إلى خصوصية الاكتفاء الآمن الدافع إلى الرضا الفاعل.