أين كانت الرحمة فى كل هذا؟
أين كانت الرحمة فى كل هذا؟
ثم منظر مجموعة من الأطفال وهم يربطون قطة حديثة الولادة من رقبتها يجرونها هنا وهناك دون احساس – حتى تقضى نحبها.
أما فى مجال أولاد الذوات (القدامى والمحدثين) فهواية الصيد العابث خير دليل على قسوة القلوب فنحن ندع أولادنا يقتلون العصافير (دون غرض وقاية لمحصول أو عنقود عنب) وينتزعون الأسماك من مجال حياتهم (دون دافع جوع أو نية شواء!! ولا أستطرد أكثر من ذلك لأدلل على قسوة الأطفال الطبيعية، ولكنى أصرخ فى وجه ذويهم أنه إذا أطلق الطفل قسوته بلا حسبا، فلأنه جاهل بعواقب الأمور، والمثل الصينى يقول “يقذف الأطفال الضفادع بالحجارة وهم يلعبون، ولكن الضفادع تموت جدا لا هزلا”، فالطفل لا يعرف معنى “الموت حقيقة” وفعلا إلا حول العاشرة، ولكن ما عذرنا نحن إذ نصفق لهذه الأفعال وننميها؟
فإذا كان الأمر كذلك – وهو عندى كذلك – فماذا نحن صانعون؟
أقول إن مجرد النصح والارشاد ليس مهما فاعلية ذات بال، ولكن القدوة الحسنة فى الجو المحيط الآمن المحب للحياة فى كل كائن هو الخلاص، وهو الأمل، بل كما أنه النصح الكاذب (غير المحق مع حقيقة مشاعر الناصح) خطيرة ومشوه فليس أبشع ولا أضر من منظر أم تلقن ابنها الرقة فى مراعاة شعور الضيوف القادمين بعد ساعة ليبدو مهذبا “ابن ناس” فى نفس اللحظة التى تنهال فيها على الخادمة (لا تنافقوا فتقولوا الشغالة) بالضرب والتعذيب والإهانة بلا حدود، أو فى القليل (بعد ارتفاع أسعارهن فى سوق الرقيق العصرى) بالاحتقار والرفض!! وأحذركم، فالطفل يعلم جيدا ومباشرة ما تخفى الصدور، مهما رسمنا على وجوهنا من تعبيرات، أو اختبأنا وراء ألفاظ تزعم حسن النية.
خلاصة القول: أن الطفل فى مراحله الأولى عدوانى قاس بطبعه، وهذا ليس عيبا فى دابة فإذا تقبلنا عدوانه وسمحنا له بتطويره وتوجيهه من خلال القدوة والوعى الهادي، كان أملنا فى الوصول إلى صفات الرحمن الرحيم واقعا وفعلا.
على أن أهم ما يمكن أن نضمن به نمو الرحمة بمعناها الحقيقى، هو أن نهرب كيف نضيف إلى براءة الطفل وطيبته صفات القوة والقدرة والعدل، مع تدريبه على التعامل المباشر مع الواقع المر بقسوته وتحديه، وتعليمه تجنب الإيذاء فى كل آن ولكن ما أصعب كل هذا، فى مجتمعنا هذا، فى وقتنا هذا”تلك هى المسألة الصعبة أن نعطى للطفل الحكمة والنضج، أن نشرب من لبن الطيبة: سر القدرة أن نصبح ناسا بسطاء فى قوة لكن فلنحذر دوما من غدر الشر المتحفز بالانسان الطيب”.