انحراف الاطفال
انحراف الاطفال
– هل يمكن أن يكون الانحراف استعدادا فطريا لدى البعض؟
مسألة الاستعداد الفطرى هذ مسألة شديدة التعقيد، فليس معنى أن نجد أكثر من فرد فى عائلة مثلا عنده انحراف اجتماعى فى أى سن كانت أن ذلك يدل على الاستعداد الفطرى، لأن مثل هذه العائلة – من واقع خبرتى – تمتلئ أيضا بالمتميزين إبداعا، ومرضى العقل، ومعنى هذا عندى أن الذى يورث ليس الانحراف فى ذاته، وإنما هى طاقة فوارة، وثورة محتملة، وإيقاع مختلف، فإذا وجدت هذه الطاقة سبيلها إلى الإبداع والتميز كان..، وإلا فهى إما تتميز ” ضـــد” المجتمع والناس، فهو الانحراف، أوترتد على الذات فتفسخها، أو تشوهها، أو تعزلها، وهذا هو المرض النفسى.
ما هى الدوافع التى يمكن أن تدفع طفلا إلى الانحراف؟
إذا صح الفرض السابق، وهو عندى الأرجح، فإن الطفل قد ينحرف إذا ما كان يحمل هذا الزخم الحيوى استعدادا، ولم يجد المتنـفـــس الإيجابى لاحتوائه، أو هو وجد النموذج المنحرف الشاذ الذى يسهل توجيه الطاقة “ضد” المجتمع والناس ومعنى ذلك أن الأسرة تتحمل مسئولية خطيرة إزاء هذا النوع من الناتج السلوكى المنحرف، وتتحملها معها المدرسة والمجتمع الأوسع بما يقدم من نماذج فاسدة، أو يفتقر إلى القدوة، أو يهمل فى الإعلام، أو، يشوه فى الوعى…إلخ
هل الحدث مذنب أم ضحية الظروف التى يعيش فيها؟
كلنا مذنبون وضحايا، ليست المسألة بهذه البساطة: ” إمــــا…..أو…”، ومهما قلنا إن الحدث ضحية الظروف، فإنه أيضا سببا فيما يلى انحرافه من تفسخ وتدهور فى ذاته وفى المجتمع ككل، وهكذا، نحن نريد أن نضع يدنا على نقطة الضعف فى الحلقة الجهنمية لهذه القضية، نقطة الضعف لا نقطة البداية، لأننا نريد أن نكسرالحلقة، لا أن نتحرى أصلها لنتفرج عليها، ونقطة الضعف عندى هى فى:
- نقص فرص الإبداع (المجتمع يعيد ويزيد، ولا يستكشف ولا يسمح بالاستكشاف أو الخلاف)
- وسوء استعمال الحرية (أحاديث وخطب وشعارات وتلويحات عن الحرية بمعنى فك القيد وليس بمعنى تحرير الحركة)
– الفرح بظاهر السكون الناتج من القهر( الأخلاق السطحية القمعية، تحت عناوين نواهى دينية، أو تقاليد جامدة بأقل درجة من الالتزام التلقائي، والوعى المشارك) هذه هى القضية.
هناك اقتراح بخفض سن الحدث إلى 16 عاما باعتباره مسئول عن تصرفاته، ما الأثر النفسى لتطبيق هذا القانون على الطفل عندما يختلط بمجرمين منحرفين؟
أولا: لابد أن نرجع إلى الظروف التى رفعت سن الحدث إلى 18 سنة، وسوف نتبين للأسف أنها كانت ظروفا شخصية وإعلامية أكثر منها ظروفا تربوية وإنسانية أو قانونية.
ثانيا: لقد زادت جرائم الثأر بوجه خاص، ممن هم أقل من 18 سنة لما رفعنا سن الحدث.وهذا له معناه ودلالته.
ثالثا: إذا كان الطالب قد يدخل الجامعة فى سن 16 سنة، فكيف لا يكون الإنسان مسئولا عن أفعاله بدءا من هذه السن؟
رابعا: لا بد أن نفرق بين سن شهادة الميلاد، وسن الالتزام الخلقى والوعى، وسن الذكاء، فإذا جمعنا كل هذا إلى بعضه فى مجتمع متوسط، تبين أن سن 16 سنة هى سن المسئولية والانطلاق معا.
خامسا: إن مسألة اختلاط الطفل بمجرمين أكبر ليست مبررا لهذا التمادى فى رفع سن الحدث، لأن الاختلاط بدون إشراف هو ضار على الطفل وغير الطفل، ثم إن ذا الستة عشر عاما ليس طفلا.
وأخيرا فإن أخطاء التطبيق فى تنفيذ العقوبات، والسماح بالاختلاط غير المحسوب بين الأعمار المختلفة، والمذنبين المختلفين، هذا وذاك لا يبررالتسيب فى مبدأ العقوبة نفسه.
الحرمان العاطفى، وغياب الرعاية الأسرية، والاهتمام بالطفل، واخفاض مستوى المعيشة، وزيادة عدد أفراد الأسرة كل هذا من الدوافع القوية للانحراف؟
طبعا.. ولكن.. أحــذر أكبر تحذير من تبسيط المسائل إلى هذه الدرجة، وفى ذلك أنبه:
- أن كل عامل من هذه العوامل على حدة ليس دافعا كافيا للانحراف أنه يوجد كثيرون كثيرون يعانون من مثل ذلك، ولا ينحرفون، فالإحصاء وحدها ليست كافية
- أن ذلك إن صح فى وصف مجاميع الناس فقد لا يصح فى وصف فرد بذاته، ولا بد أن نحذر التعميم المبسط
- أن وجود مبرر الانحراف، وإزالته لن يحل قضية الانحراف، ولنقارن مثلا هذه العوامل فى بلاد أكثر ثراء، وأقل أبناء..إلخ إلخ
وأخيرا فدعينى أنبه أن الانحراف الظاهر عند الأطفال والمراهقين قد يكون أقل درجة وأسهل تناولا من الانحراف المدعم بالقوانين من ذوى اللياقات المرتفعة.