الجذب والصد: فى الصداقة والهجر
الصاحب اللى يفوتك يـقـَّن انه ماتْ
أترك سبيله ولا تندم على اللى فاتْ
الصقر بيطير و بيعـلـى وله هـمـَّاتْ
يـقعـد فـى الجو عام و لاّ اتــنيـن
يموت من الجوع و لا يحوِّد على الرماتْ
هذه الصورة تجسد نوعا من الإباء القوى فى التعامل مع إعلان حاجة الانسان للصديق، والاعتراف بصعوبة تحمل الهجر ولكن بنبل مترفـِّع!
والتفسير الخلقى لأول وهله يوحى بأن هذا الموقف هو موقف كريم رائع ينبغى أن يتصف به كل ذى كرامة وشـَمـَم، ولكن يبدو أن الأمر ليس كذلك تماما، فهذا أمر قد يدل- أيضا- على الصـَّـلـَف وشدة التأثر بالهجر، نتيجة للحاجة الخفية الشديدة للاعتماد بشكل ما على صحبة هذا الهاجر، وبالتالى فإن صاحب مثل هذه الشخصية يشعر أن هذا الهجر هو رفض وليس مجرد ترك، وهو لشدة حاجته للآخر- دون إعلان خشية إظهار الضعف – يحتج على هذا الرفض برفض أشد، يتمثل فى هذا التصعيد إلى هذا العلو الشاهق الذى يتصف به الصقر (عند العرب خاصة) وهو فى الظاهر علوا، ولكنه فى الواقع وِحـْدة ما بعدها وحدة، وكأن مثل هذا الإنسان بدلا من أن يتفاعل للهجر: بالألم، والتفهم، واحترام الخلاف، والانتظار، والاستمرار على مسافة، وكل هذا ليس فيه مذلة أو خنوع، بدلا من ذلك يطير إلى أعلى متخذا موقفا فوقيا حاكما على هذا التارك أنه “رِمـّة” وهو يعتبر هذا السلوك الصـَّقـْرى هو الهمـَّة العالية، وهو مصدر الفخر ودليل العزة، وكل ذلك مقبول كدفاع طبيعى ضد إظهار الضعف والاعتراف بالحاجة، وهو مستوى خاص من الخلق، خلق الاستغناء وعدم الأخذ، أليس هذا ما يقوله البارودى:
خـُلقت عـَيـُـوفـًا لا أرى لابن حرةٍ علـىَّ يدا أغضى لها حين يغضـَبُ
ولكننا ينبغى أن ننتبه إلى أن عدم الأخذ قد يكون “عجزاً عن الأخذ” (أيضا) وهو دليل وحدة صعبة ليست هى الفضيلة الوحيدة، أو الفضيلة الأولى فى العلاقة بين البشر