كيف نعيش بغير حنان
والإنسان إذا ما تيقن من انعدام الحنان فى علاقة الصداقة القائمة، وظل فى نفس الوقت مصرا على ضرورة الصداقة إذ لا بديل فإنه “يركب الصعب” إذ يستحيل أن يستغنى عن هذا الخـِلّ الغريب:
وكيف نعيش بغير حنان ٍ
وصفو ِ حديث ِ حبيب ٍ لخلّ
نعم كيف نعيش بغير حنان؟ فلنصطنعه إصطناعا ولو من غير مصدره ولو من عدو، من يدرى، وهنا يقفز مثل صعب يقول:
من قـِلـّة الحـِنـِّيـَة بتـْنا على جفا
وخدنا من بيت العدوّ حبيب
هذه مغامرة محسوبة، أفضل من العزلة والصقرية ذات الاستعلاء المتكبر، ثم من يدرى، ألا يجوز أنه باتخاذ الحبيب من الأعداء نكتشف فيه الجانب الآخر، فننضج بمسئولية أروع، من أن نـَـظل متمسكين بحاجتنا إلى توظيف العدو كمسقط لعدواننا حتى ولو لم يكن هو المسئول عن إثارة هذا العدوان؟ إن القائل بأنه:
“نهار العدو ما يصفـَى يخفى”
إنما يعنى أيضا أنه بذلك قد فقد مهمته لى كعدو، فلم يعد بى حاجة إليه، كمسقط لعدوانى وكأنى كنت أحافظ على كيانى باستمرار عداوته.
ومهما يكن من أمر، فإن الحرص على العلاقة مع الآخر، بالعداء أو بالصداقة هو حرص واجب ورائع بما هو انسانىّ، وهو أفضل جدا من العزلة والانسحاب المتعالى.
وقد يكون اتخاذ العدو حبيبا هو من باب انتظار الفرج حتى يظهر صديق جديد يلبى الحاجة بحق فى الوقت المناسب، وإذا كنا رضينا أن نتخذ من بيت العدو حبيبا، فمن باب أولى علينا أن نقبل صديقا مؤقتا بكل ما فيه، حتى نعثر على الصديق الصدوق الذى ”هو”، ألا يقول مثلنا العامى فى مثل هذا التأجيل الإيجابى المحسوب:
تجـَّمزْ بالجميز * حتى يأتيك التين
* – الجميز نوع رخيص من التين، أقل حلاوة وأمسخ طعما، وثمره كان متاحا بالمجان للغالبية فى الريف المصرى، حتى لو لم يكونوا من مالكيه مثل شجر التوت علـى الزراعية أحيانا، أما التين فهو أنواع متعددة أغلى وأندر.