عن النصح والإرشاد
“إنصح أخوك من الصبح للظهر؟
إن ما تنصحشى غشه بقيت النهار”
ماذا يقول هذا المثل؟
هل ينهى عن النصح؟ هل يشجع على الغش؟ هل ينبه إلى أن النصائح ينبغى أن تكون فى حدود؟ فإذا كان الأمر كذلك، ألايكفى أن يكون التوقف عن النصح – بعد ما فشل – هو الإجراء الأنسب بدلا من أن “تغشه” بقية النهار؟
وهل يتفق هذا المثل مع ترجيح أن النصح والإرشاد، والنهى والتنبيه، لا يصلحون لمن يصر على “ما هو” عليه، أو لمن لا يستطيع إلا أن يكون “كما هو” مصداقا للمثل الآخر الذى يقول:
“نهيتك ما انتهيت والطبع فيك غالب،
وديل الكلب عمره ما ينعدل ولو علقت فيه قالب”؟
وفى محاولة الرد على كل هذه التساؤلات نقول:
أولا: إن الافراط فى النصيحة قد يُحدث عكس المراد منه وكثيرا ما يأتى المريض (المدمن بالذات) مع أهله (والده بالذات) وكل ما يطلبه الوالد (ة) من الطبيب هو أن ينصح إبنه بكذا وكيت، وكثيرا ما يصبح الموقف أقرب إلى الهزل، لأن النصح بالنصح يتم أمام المريض (أو المدمن)، وقد تكون إجابة الطبيب، مستعمـِـلاً نفس الهزل الكاشف حين يقول للأب: ”ما تـِنـْـصـَحـُه أنت يا أخى، ألم يشبع نصائحا منك!” ثم يستمر الحوار حتى ينتهى أحيانا بكتابة صريحة على الوصفة (الروشتة) أنه “ممنوع النصح والإرشاد” (ولو مرحليا!) (حتى لا يأتى بعكس المراد).
ثانيا: إن النصح يحتاج إلى مصداقية الناصح مثلما يحتاج إلى تحضير المنصوح لاستقبال النصيحة، وأخيرا فهو يحتاج إلى علاقة “مناسبة” بينهما، أما النصائح العشوائية، والصارخة، واللاطمة، والخطابية فهى إن لم تضر، عادة لا تنفع.
ثالثا: إن كثيرا من الذين يمارسون هواية (لا عبادة) الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، لا يضبطون جرعة النصائح ولا طريقة النصائح، ولا اختلاف مـُتـَـلـَـقـِّى النصائح.
رابعا: إن من العلامات الإيجابية التى تشير إلى احتمال نفع النصيحة أن تـُعطى لطالبها، وليس أن تـُلقى هكذا على الطريق لغير أهلها، مع الاعتراف بأن تمييز أهلها من غير أهلها أمر صعب