fbpx

تقليب مهم فى أوراق قديمة

“الوعى العام” بالوطن وعند الشباب خاصة، وكيف نحافظ عليه؟

مقدمة:

عندما أواصل التقليب فى أوراقى وأنا أطرح – ويُطرح علىّ–  هذا التساؤل من جديد: عن مهمة الكلمة والنقد عامة فى تكوين الوعى العام، وخاصة عند الشباب، وكيف بزغ علينا وعى هؤلاء الشباب هكذا وكأنها مفاجأة، فأخذت نفسى مثالا، وتساءلت: هل كنت أكتب أو أقول وأنا أعنى، أو آمل، أى إسهام فى ذلك، فاكتشفت – مثل آلاف غيرى غالبا–  أننى كنت – ومازلت– مصراً على مقاومة كل نظام أو منظومة مهما بلغت قدسيتها، يمكن أن تحول دون انطلاق طاقة الإبداع، حيث عشت وأعيش على يقين من أن ذلك هو ضد ما خلقنا الله به، وله.

وهكذا قررت أن أعيد نشر أغلب ما تصورت أنه ساهم فى تكوين هذا الوعى الجمعى فى ميدان التحرير (وكل ميادين التحرير)، لكن ما وصلنى كان يكفى أن أتبين كيف أنه يمثل رحم مصر الحديثة، ما لم تجهضه، أو تستولى عليه، القوى المتربصة الخبيثة.

..الحب يخلـّق الوطن..، وبالعكس !!!([1])

 (1)

قالت البنت لأخيها: ماذا أفعل فى صديقك هذا الذى يصر أنه يحبنى؟ قال أخوها: لكنه يحبك  فعلا، لقد صارحنى شخصيا، قالت: وكيف تصدقه وهو لايحب نفسه؟ قال: من أدراكِ أنه لا يحب نفسه؟ قالت: هو لا يحب الناس، ولا يحب البلد، فمن أين له أن يحب نفسه، فيحبنى؟ قال: لست فاهما، هل لا بد أن يكون الواحد منا أنانيا أو سياسيا حتى يُسمح له بالحب؟ قالت: أنت  لا تفهمنى، الأنانية شىء، وأن تحب نفسك وناسك وبلدك شىء آخر، لا بد أن تعى أنك “أنت”،  وأن ترى مَنْ وما حولك، وأنك لست أنت إلا بهم، كل هذا قبل أن تتصور أنك تحب أصلا. قال أخوها : فلسفة هذه أم فذلكة؟  لا تتمادِى أرجوك حتى لا تصبحين باردة  أكثر، قالت: أكون باردة أحسن من أن أكون كاذبة.

(2)

قال الأب لزوجته : لأول مرة أشعر أننى مسئول عن الناس بجد. قالت: اسم الله عليك وعلى حواليك!! فما هذا الذى كنت تزعمه أول كل شهر وأنت تحسب الديون والأقساط وتقرفنا بسخطك وشخطك، قال: أقصد الناس خارج باب شقتنا، قالت: وهل نحن ننقصهم؟ ألا يكفينا ما نحن فيه؟ ، قال: تصورى أننى حين شعرت بالناس فى  الأوتوبيس، ودافعت عن البنت التى احتك بها أمين شرطة يلبس جلبابا لم يكشف عن هويته إلا بعد أن صفعته، تصورى أننى أفقت لنفسى، وشعرت أننى أحبك، قالت: تحب من يا رجل!؟ كان زمان وجبر، ما هذا  الذى تقوله؟ هل كانت جميلة؟ قال: من؟ قالت : البنت التى احتكت بها الحكومة، قال: حكومة من؟ قالت :حكومة الحزب الوطنى، قال: أقول لك إن ما حدث نبهنى إلى انسحابى بعيدا عن أى  آخر خارج دائرة شقتنا، قالت: “آخر” يعنى ماذا؟ قال: يعنى الناس، قالت ناس من؟  قال: ناس البلد، قالت : بلد من؟ قال: بلدنا؟ قالت: بلدنا بأمارة ماذا؟ قال: إذا لم تكن بلدنا، فبلد من هى؟ قالت : بلدهم، قال : بعيدا عن شاربهم، وهم لا يحملون هم البنت، ولا يحملون همنا، ولا يحولون دون  وقاحة أمين الشرطة ، قالت : الله يكملك بعقلك.

(3)

قالت البنت لأخيها: لولا الكرة أحيانا، حتى لو انهزمنا اربعة صفر، لما شعرت أن لنا شىء اسمه الوطن، أن هناك شىء اسمه مصر، قال أخوها: يبدو ذلك، ما رأيك، هيا نخترع لنا وطنا؟ قالت : ماذا تقول؟ يعنى ماذا؟ قال: يعنى “نلعب أوطانا”  كما كنا نلعب “بيوتا” ونحن أطفال، قالت : لست فاهمة، قل لى كيف، قال: كل واحد يختار له وطن ينتمى إليه، قالت: يعنى يتمنى أن يهاجر إليه؟  قال لا، لكن يختار وطنا يشعر أنه يمكن أن يكون جزءا منه، أنه يحمل مسئولية ناسه، وأن ناسه وحكومته يحملون مسئوليته، قالت: حلوة هذه، يبدو أن هذا هو معنى الوطن بجد، قال: هيا، قالت: إبدأ أنت، قال: بل أنت، قالت: أنا أختار إيطاليا، قال: وأنا أختار السويد، قالت: وأنا موريتانيا، قال: وانا فنزويلا، قال : وأنا أمريكا. قالت : وأنا الصين،…..

توقفت البنت منزعجة وقالت : كفى من فضلك، ما هذا الذى نفعله بأنفسنا، لقد تعبت من اللعبة فجأة !

قال: يا خبر!! هذا نفس ما حدث  لى، أحسست بإرهاق غامر. ما الذى جرى بالضبط؟

قالت: لماذا لم يختر واحد منا مصر، قال: لست أدرى، لكن هذا طبيعى، فنحن لعبنا اللعبة بعد أن غيبوها عنا، سرقوها منا، قالت: لكن هذا مستحيل، أنا أشعر أن قلبى مصنوع من طينها دون إذن منى، قال: وأنا أشعر أن طميها يسرى فى عروقى  فتدب فىّ الحياة بكل نبضها، قالت: تصور أن أبى حدثنى فى مثل ذلك، وقال أنه لأول مرة يشعر بمسئولية حقيقية، وبالتالى عرف معنى الحب، قال الشاب: معنى ماذا؟ قالت: الحب

(4)

شبت الأم على أطراف أصابعها وهى تحادثه من بين القضبان المحجوز وراءها، قالت له : الآن فهمت ماذا كنت تعنى، أنا أصدقك بجد،  أنا أحبك، قال لها : عرفت ذلك، ربنا يخليك، قالت: والأولاد يحبونها، ويحبوننا، عرفوا أخيرا كيف أحبّـها أبوهم  فأحبونا، قال: الحمد لله، قولى للبنت أن بلدها تستأهل، قالت: بل هى وأخوها اللذان يقولان لك أنهم فخورون بك وبها، حتى لو كان الثمن حريتك، قال: صدقينى أنا أشعر هنا بحرية أكبر، وأستطيع أن أحبكم أكثر.

قالت : وأنا أحبك أكثر.

نشرة “الإنسان والتطور” 1-3-2011

[1] – نشرت هذه القصة بتاريخ 2/5/2007

اترك تعليقاً

إغلاق