ترويض العدوان
على أن الإنسان المعاصر قد فرضت عليه ظروف قاهرة إضطرته إلى الإفراط المخل فى ترويض عدوانيته حتى أصبح ذلك خطرا حقيقيا، وقد ذهب فرويد فى صدق أخلاقى إلى تدعيم فكرة التسامى كإحدى وسائل الترويض التلقائى اللاشعورى وإذا كنا نرضى بهذه الحيلة وأمثالها كمرحلة من مراحل النمو، فينبغى ألا نعلى من شأنها استجابة لمخاوفنا من حقيقة قدراتنا، لأن التسامي- شأنه شأن سائر الدفاعات- رغم نتائجه الحميدة، لايمكن فى النهاية، لو استمر أو تضاعف، إلا أن ينتقص من وجودنا الواعى ويعطل نمونا، ويشوه، لامحالة، تكاملنا.
وإنما البديل الأصح هو إتاحة الفرصة لمثل هذه الغريزة للتعبير المباشر، وإن اختلفت لغة التعبير ليس إلا،وأرى أن العدوان بمعنى التحطيم، وكذلك بمعنى المحافظة على انفرادية الذات، يمكن أن يقوم بدور كامل ورائع فى عملية الإبداع، فالإبداع يبدأ “بتحطيم” القديم القائم تمهيدا لبناء الجديد الدال فى نفس الوقت على تأكيد الذات صانعة الأصالة، وبالتالى فإن الإبداع يحتاج إلى تلقائية ومغامرة لاتحققها إلا غريزة العدوان بشكل مباشر، ولعل أعجز الناس عن الإبداع هم أخوفهم من عدوانيتهم وأعجزهم فى نفس الوقت عن تحوير التعبير عنها إلى إعادة خلق وأصالة، ولعلنا نتذكر البدائل الجماعية المرعبة للعدوان فى شكل الحروب العنصرية المدمرة، أو ميكنة الإنسان أو قهر الفكر… الخ، وكل ذلك عدوان ساحق يعلن وجود الغريزة بحجمها، وبالتالى يعلن الحاجة الملحة إلى شكل جديد خلاف التعبير عنها، كما ينبه إلى أن نسيان أهمية العدوان كغريزة ربما هو فى ذاته مهرب علمى يتماشى مع الجبن العصرى المهذب.
دراسة فى علم السيكوباثولوجى (شرح: سر اللعبة الفصل الثانى)