المــــوال المـُوَاكـِبْ:
مقتطفات من كتاب: مثل وموال قراءة فى النفس البشرية أ.د.يحيى الرخاوى
صاحبت صـاحب وقلت فْ يوم يشيل حـِمْــلي
جــاب حـِمـْلـــه التقيـــل وحطــُّـه على حـِمْــلي
لفـِّـيت جميع البلاد على صاحب يشيل حـِمْــلي
وتـْعبــت وشْـــــــقيت، لــكن بـــدون فـــــايدة
واللى اشتكيلـُهْ يقولـِّى: وَنـَا مين يشيل حـِملي
لأول وهلة يبدو لنا هذا الموال وكأنه يعرى درجة متوسطة تتصف بها حياتنا المعاصرة، ولكن إذا نظرنا إليه من بعد أعمق، فربما يتبين لنا أكثر وصفا للموقف الانفرادى، حيث يبدو أن كثيرا من الناس هناك قد استغنوا عن الصداقة، ربما لأنهم رفضوا فروسية مشبوهة، وشكـُّوا فى تضحية مشروطة، وتبينوا هموما ذاتية تكفيهم عن ادعاء معونة الغير، وهم أحوج ما يكونون إلى من يعينهم.
نعم: نحن نشيع ذلك عن الغرب، ولكن هذا الموال (وغيره) يشير إلى أن الأصدق منا، قد يكتشف أننا كذلك، أو ربما دون ذلك، وأن المطلوب ليس هو أن ندمغ الغرب بافتقاره إلى هذا النوع من التعاون الصداقاتى، ونفخر نحن بتصور التضحية وبتوهم الفداء، لأن المطلوب: لنا ولهم، أن نتجاوز يأسنا من الصداقة، بأن نعلن طبيعة الصفقة التى تسمح لنا بأن نشيل أحمال بعضنا البعض بعض الوقت، ذلك أنه بالرغم من أن كلا منا ممتلىء بأقوال شعبية سائرة تبرر تركيزه على نفسه، مثل:
“كل واحد إللى فيه مكفيه”
أو: “كل من هوّ مـَلـْهـِى فى حالـُـهْ”
إلا أنه لابد من أمل فى حسن توقيت تبـادل الاعتمــاد بالتناوب، فهذه الأحمال التى هى أمانة الحياة، والتى تبدو عند التركيز عليها أنها قاصمة الظهر أو على الأقل مـُغـْلـَقـَة ُ التواصل، هذه الأحمال والهموم تختلف شدتها من وقت إلى آخر، ويستحيل أن نتصور أنها ستلحق بنا جميعــا فى نفس الوقت بنفس الثقل، وبالتالى فثمة فرصة للخروج من هذا المأزق بما يمكن أن نسميه: التعاون بالتناوب
ولذلك فالموال يحتاج لمزيد من القراءة:
فهو لم يقرر ابتداء أن الصداقة منذ البداية ترمى إلى أن يحمل الصديق عنى ما أنوء به، ولكن الصداقة تنشأ ومعها هذا الاحتمال الكريم منذ البداية، فالشطر الأول لم يقل:
صاحبت صاحب علشان يشيل حملى وانما وضع صيغة الاحتمال والتوقع قائلا:.. .. وقلت فْ يوم يشيل حـِمـْلى –
وهنا يصبح فعل الصداقة هو البداية، ولكنها طيبة بما تحمل من احتمالات الأخذ والعطاء، حسب وقت وظروف الاحتياج، لكن الطرف الآخر سارع بإلقاء حمله على الطرف الأول – فورا – فناء ظهره بحمليهما معا، فما كان من الصاحب الأول، الطيب المتألم، إلا أن كشف عن حاجته أكثر، وراح يدورُ بها بدوره على جميع البلاد مطالبا بحقه المباشر فى الاعتماد على آخر، ولكن المفاجأة كانت صريحة وبسيطة، وهى مواجهة اليأس من الصداقة لو انقلبت إلى مجرد احتياج للاعتماد دون وعى بصفقة الأخذ والعطاء و”التساند الدورى المتبادل” إن صح التعبير، وبألفاظ أخرى: إن التساند الدورى يعنى أن أحمل حمل صديقى حين يكون حملى الشخصى أخف، وأن يحمل هو عنى حملينا بدوره حين تشتد حاجتى ويكون هو قد قوِىَ أكثر – ولو قليــلا – بمــا ســبق أن حمــلت عنــه ”بعض الوقت”.
أما أن تصبح المسألة شكوى واحتياج مـُلـِحّ متواصل، ثم ننعى الحظ ونندب الأيام، فلابد أن يتحوصل كل منا على ذاته، وكلٌّ يبادر بالتخلى ، وهات يا جرى.