المؤسسة الزواجية (أنا نـِفـْسَى حد يعوزْنى، وأعوز عوزانه”)
المؤسسة الزواجية من أقدم المؤسسات الاجتماعية والدينية، وقد استطاعت أن تحافظ على استمراريتها وصلابتها ووظيفتها عبر الزمن، ومع ذلك فلا هى أصبحت ناجحة بالمعنى الذى يتناسب مع تطور الإنسان المعاصر وطموحاته، ولا هى حتى استمرت نافعة بالقدر المناسب لأغراض تحمى طفولة الإنسان وحاجته إليها عددا أكبر من السنين إذا قورن بطفولة الأحياء الأخرى وخاصة الثدييات.
بعد الحرب العالمية الثانية، ومع اهتزاز كل القيم الثابتة، اهتزت هذه المؤسسة ضمن ما اهتز، وعرضت البدائل، ومورست الكوميونات، وقفزت أحلام اليوتوبيات الغامضة، وبالنسبة للطب النفسى هوجمت المؤسسة الزواجية ضمن ما هوجم من دعاة الحركة المناهضة للطب النفسى التى تردد صداها ما بين أوربا وأمريكا (لانج، وكوبر فى إنجلترا، وبازاجليا فى إيطاليا، زاس فى الولايات المتحدة..إلخ) وكان من أصرح من كتب فى ذلك مباشرة “دافيد كوبر”، فى كتابه “موت الأسرة”، ولم تستطع هذه الحركة بصفة عامة أن تؤثر فى استمرارية أو صلابة أو ضرورة حضور المؤسسة الزواجية.
ولن نتطرق إلى إشكالة التحدى التى مازالت تواجه عمل علاقة بين البشر على مستوى من النضج يسمح بصدق الاقتراب، وعمق التواصل، وفى نفس الوقت يسمح بدرجة من الحرية واختبار الاختيار.
ونبدأ بضرورة التفرقة بين عدة أمور جاهزة للخلط والتشويش:
1- فثم فرق بين الحاجة إلى الآخر، وبين حب الآخر (والفرق لا يعنى الفصل أو النفى، فالتداخل وارد ومقبول ومطلوب).
2- وثم فرق بين الحاجة للآخر، وبين الحاجة إلى “حاجة الآخر لى” ”أنا نـِفـْسَى حد يعوزْنى، وأعوز عوزانه”،
3- وثم فرق بين صفقة معلنة من الاعتماد المتبادل وبين اعتماد خفى من جانب واحد، حتى لو بدا هو الجانب المتسلط الطاغى ظاهرا (الرجل عادة) .
4- وثم فرق بين علاقة يجمع بين أطرافها ضغط المجتمع الخارجى، وعلاقة يجمع بين أطرافها جذب طرفيها إلى بعضهما البعض من الداخل
5- وثم فرق بين مؤسسة ثنائية لايحافظ على استمرارها إلا طرف ثالث (الأولاد مثلا)، وبين علاقة تستمر لأن العقد يتجدد تلقائيا بوعى وحرية معلنة ومختبرة مدعمة بالمجتمع من خارجها الأدنى فالأدنى.